فإذا كان الإنسان يملك أن يهيئ الأرض ، ويبذر البذر ، ويسوق إليه الماء .. فهل له يد يمكن أن يمدّها إلى تلك الأسباب المهيأة ، والتي هى كلها أدوات لم يكن من صنعه شىء منها ، بل كل سبب منها مسبب عن أسباب .. وكل سبب من هذه الأسباب ، مسبب عن أسباب أخرى .. وهكذا ـ نقول : هل له يد يمكن أن يمدّها إلى تلك الأسباب ، فيخرج منها النبات الذي بذر بذرته ، وانتظر ثمرته؟
وإذا كان الإنسان يملك أن يجد فى كيانه النطفة ، ثم يهيئ المكان الذي يقذفها فيه ، ثم يقذف بالنطفة فى هذا المكان المهيأ لها ـ فهل له مجال هنا فى أن يزحزح تلك النطفة التي نزلت بمكانها المهيأ لها ، ثم جهدت جهدها ، فكانت علقة ، ثم كانت العلقة مضغة ـ نقول : هل له مجال هنا فى أن يزحزح تلك النطفة ـ وقد أصبحت مضغة ـ إلى أبعد من هذا ، وأن ينفخ فيها نفخة الحياة ، وأن يمسك بها فى الرّحم؟
جواب واحد ، ينطق به الحال ، ويشهد له الواقع ، وهو : «لا»! إنه لا حول للإنسان ولا طول له ، فى هذا الأمر أو ذاك ، وإنه ليس إلا العجز ، والتسليم ، ليد قادرة ، خالقة ، مبدعة .. لا حدود لقدرتها ، ولا نهاية لإبداعها.
واستمع إلى قوله تعالى :
(أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ؟) (٥٨ ـ ٥٩ : الواقعة).
هذا ، عن النطفة ، وعن آيات القدرة القادرة ، وآثارها فيها ..
(أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ؟ لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) (٦٣ ـ ٦٧ : الواقعة) ..