وهذا هو الإنسان فى أتمّ صورة وأكملها .. لقد كمل جسمه ، وعقله .. وبلغ أشدّه.
واللام فى قوله تعالى : (لِتَبْلُغُوا) هى لام العاقبة والغاية .. أي غاية النضج الإنسانى ..
وهنا تبدأ لهذا الكائن مسيرة أخرى ..
(وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى ، وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً).
وإذ يبلغ الإنسان ـ مرحلة الشيخوخة ـ من العمر ، يقف وقفة على عتبة الموت ، أشبه بتلك الوقفة ، التي وقفتها المضغة ، على باب الحياة! فكما كانت المضغة هناك مخلّقة أو غير مخلّقة ، يكون «الشيخ» هنا مخلّقا من حصاد الموت ، أو غير مخلّف ..
وهذا يعنى ..
أولا : أن حدود الحياة الإنسانية ، تنتهى غالبا عند مرحلة الشيخوخة .. حيث يستوفى الإنسان غايته ، ويعطى الحياة كلّ ما عنده ، ويأخذ منها كلّ ما هو قادر على أخذه منها.
وثانيا : أن هذا لا يمنع من أن يسقط على هذا الطريق كثير من الناس ، قبل أن يبلغوا هذه المرحلة .. من أجنّة ، وأطفال ، وصبيان ، وغلمان ، وشباب .. تماما كما تتساقط بعض ثمار الفاكهة ، زهرا ، أو حصرما ، أو رطبا. كما لا يمنع أيضا من أن يجاوز الإنسان مرحلة الشيخوخة ، فيكون من مخلفات الحياة .. تماما كمخلفات الثمر ، الذي يجفّ ، وهو لا يزال ممسكا بغصن الشجرة ..