ظل هذا الرصيد شيئا فشيئا حتى يصبح ظلالا باهتة .. ثم يختفى ، ويذوب ، كما يذوب الثلج تحت حرارة الشمس ..
وشتّان بين بدء الحياة وختامها .. بين وهج الطفولة وتوقدها ، وخمود الشيخوخة وبرودتها .. بين إقبال الحياة وإدبارها .. بين الشروق والغروب ، بين رحلة الحياة ورحلة الموت!!
ـ وفى قوله تعالى : (لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً) هو عرض لصورة الحياة والموت معا ، فى هذا الإنسان الذي ردّ إلى أرذل العمر ، ونكّس فى الخلق .. هو حىّ ميت ، أو ميت حىّ .. إنه يعود من حيث بدأ ، فقد جاء إلى الحياة لا يعلم شيئا ، كما يقول سبحانه : (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً ..) (٧٨ : النحل) وها هو ذا يعود طفلا (لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً) ..
والتعليل بقوله تعالى : (لِكَيْلا يَعْلَمَ) لا يتوّجه به إلى إنسان بعينه ، وإنما هو موجّه إلى الناس عامة ، وإلى منكرى البعث خاصة ، ليروا فى هذا الإنسان ، الشاهد الحىّ ، الذي ينطق بأن الحياة والموت وجهان متقابلان ، وأنه كما يموت الحىّ ، يحيا الميّت ..
وفى نظرة مشرقة صافية يمكن أن تتجلّى فى قوله تعالى : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ) (٩٥ : الأنعام) صورة من صور إخراج الحىّ من الميت ، وإخراج الميت من الحىّ ، فى مسيرة الإنسان على طريق الحياة ، من مولده إلى مماته .. أي من طفولته إلى أرذل عمره وتنكيسه فى الخلق ..