فهو فى بدء طفولته .. ميت حىّ .. وهو فى أرذل عمره حىّ ميت! وما أدقّ وأبرع قول المعرّى :
وكالنّار الحياة .. فمن رماد |
|
أواخرها وأولها دخان |
فالحياة ـ كما يصورها المعرى ـ جذوة من نار ، تبدأ دخانا ، وهو أول ما يكون من النار ، ثم تنتهى إلى رماد ، وهو آخر ما يكون منها ..
وفى قوله تعالى : (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) ..
عرض لصورة من صور الإحياء ، والبعث ، يراها أولو الأبصار ، حالا بعد حال ، فيما يسفر عنه وجه الأرض ، من حياة متجددة عليها ، ومن أثواب تلبسها ، وحلى تتحلى بها ، بعد أن كانت أرضا مواتا ، لا معلم من معالم الحياة فيها ..
فهذه الأرض الجديب القفر ، يأخذها الإنسان بنظره اليوم ، فإذا هى ـ كما يرى ـ موات فى موات ، وصمت موحش رهيب ، كصمت القبور .. ثم إذا أصابها الماء ، وغاثها الغيث ، (اهْتَزَّتْ) هزّة الحياة ، ونبضت عروقها ، وسرت الروح فى أوصالها .. (وَرَبَتْ) ونمت كما ينمو الطفل .. (وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) فإذا كرّ الناظر إليها بصره كرّة أخرى ، رأى هذا الموات قد أصبح حياة مزهرة مثمرة ، تملأ العين بهجة ومسرّة.
فماذا إذن ينكره المنكرون من بعث الموتى؟ وهل هذه القبور وما ضمّت عليه من جثث وأشلاء ورفات ، تتراءى فيها صور الآدميين الذين عمروها ـ هل هذه القبور أبعد من بعث الحياة فيها ، وإخراج خبئها ـ من الأرض الجديب الميتة ، التي أحياها الله ، فاهتزت وربت ، وأنبتت من كل زوج بهيج؟ ذلك ما لا يقبله عقل ، ولا يرضاه منطق!.