فى القبور .. أما متى تأتى فذلك علمه عند الله .. وأما كيف يكون المبعث فذلك إلى قدرة الله!!
قوله تعالى :
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ).
تحدّثت الآيات السابقة عن صنف من المجادلين بغير علم حيث يتصدّى الواحد منهم بجهله ، لكل رأى ، ويدخل فى كل قضية ، آخذا الطّرف المنحرف منها ، دون أن يكون له رأى نظر فيه بعقله ، وهدى إليه بتفكيره. وإنما هو الخلاف عن هوى وعمى ، ليثبت وجوده أمام نفسه ، ويعلن عن ذاته بأنه من أصحاب الرأى ، وأنه إذا كان للعلماء ما يقولون ، فإن له هو ما يقول!!
وفى هذه الآية أصناف من الناس ، يجادلون بغير علم من أنفسهم ، أو بهدى من غيرهم ، أو عن كتاب صحيح فى أيديهم ، ليجمع الواحد منهم هذه الضلالات كلها .. فيكون جاهلا فى نفسه ، ثم يكون متأبّيا على من يدعوه إلى العلم ، ثم يكون مع هذا غير ناظر فى كتاب صحيح .. ومع هذا فهو يجادل فى الحق ، ويدفعه بيديه دفعا.
وقد يجادل أحدهم وهو جاهل لا علم عنده ، ولكنّه يردّد كلمات سمعها من غيره دون أن يعقلها ، ويتعرف إلى ما فيها من هدى وضلال .. ثم يتخذ من هذه الكلمات مادة للجدل .. وقد يستند أحدهم فى جدله إلى كتاب قد دخل عليه الافتراء والكذب ، فاختلط فيه الحق بالباطل .. وفى ذلك تعريض بأهل الكتاب ـ وخاصة اليهود ـ الذين زيّفوا التوراة ، ثم استقبلوا بها النبىّ يجادلونه ، ويجاجّونه بما فيها من أحكام وأخبار ، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) .. فالكتاب الذي كان منحرفا ، غير ملتزم طريق الحق ، كان قوة عاتية من قوى الضلال والفساد. إنه يقود إلى الضلال والظلام ..