قوله تعالى :
(ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ).
أي أن هذا المجادل الجهول ، يجادل ، وهو ثان عطفه ، أي مائل بجنبه ، تيها وكبرا ، واستنكافا عن أن يسمع دعوة الحقّ ، وهو مقبل عليها بوجهه ، بل يعطيها ظهره ، أو يلقاها بجنبه ، إمعانا فى الكبر ، ومبالغة فى العناد.
وفى قوله تعالى : (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) ـ إشارة إلى أنه بفعله هذا قد أراد أمرا ، هو إضلال نفسه ، وإبعادها عن الخير .. إنه يحسب أنه يكيد بهذا لمن يدعوه إلى الله ، وهو فى الواقع إنما يكيد لنفسه ، ويوردها موارد الهلال ، كما يورد الذين اتبعوه هذا المورد.
(لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) وذلك بما يرى من إعزاز الله للنبىّ والمؤمنين ، ومن خذلانه سبحانه وإذلاله لجبهة الكافرين والمشركين ، الذين كان هذا الضالّ مظاهرا لهم ، ومحاربا فى جبهتهم ..
(وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ) وكما أنه لم يكن يقع فى حسابه أن يجىء اليوم الذي تنهار جبهة الكفر ، وتتعفّر فيه جباه الكافرين بالتراب ، وقد جاء هذا اليوم الذي أخزاه وأذله ـ كذلك لم يكن يقع فى تقديره أن يبعث ، وأن يجىء يوم القيامة ، وأن يحاسب على ما قدم من آثام ـ ألا فليعلم أن هذا اليوم آيات لا ريب فيه ، وسيلقى العذاب المهين فى الآخرة ، كما لقى الخزي والهوان فى الدنيا ..
قوله تعالى :
(ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ).