أعمال الناس ـ ظاهرة وباطنة ـ وهو بهذا العلم يكشف مستورهم ، ويحاسبهم ويقضى بينهم.
فهو سبحانه ، يعلم ما فى السماء والأرض .. لأن كل ما فيهما صنعته ، والصانع لا يخفى عليه شىء مما صنع (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (١٤ : الملك) ـ وقوله تعالى : (إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ) أي أن هذا العلم الذي يحيط بأسرار الوجود كله ، هو مودع فى كتاب عند الله .. فكل ما كان أو يكون فى هذا الوجود كله ـ فى أرضه وسمائه ، وفيما بين أرضه وسمائه ـ مودع فى هذا الكتاب .. كما يقول سبحانه : (وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٧٥ : النمل) وهذا الكتاب هو اللوح المحفوظ الذي هو أول ما خلق الله بعد القلم ..
ـ قوله تعالى : (إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) هو دفع لما يقع فى بعض العقول القاصرة التي لا تعرف قدر الله ـ من شعور باستعظام هذه المعلومات التي تحصى كل شىء ، وتقدّر كل شىء ، لكل مخلوق ، صغر أو كبر ، وأخذ هذا القول على سبيل المبالغة أو التجوز .. فكان قوله تعالى : (إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) تأكيدا لعلم الله ، وسعة هذا العلم وشموله ، وأن هذا الوجود كله لا يعدّ شيئا إلى علم الله ، الذي أحاط بكل هذا الوجود ولا يحيط الوجود كله بشىء من علمه إلا بما يشاء ..
قوله تعالى :
(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) ..
الضمير فى (يَعْبُدُونَ) يراد به المشركون ، الذين يعبدون آلهة دون الله .. ولم يكن للمشركين ذكر هنا حتى يعود هذا الضمير إليهم .. فالحديث عنهم بضمير الغيبة ، إبعاد لهم ، وإنكار لوجودهم فى مجتمع العقلاء ، الذين هم أهل للخطاب.