قوله تعالى :
(ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً .. فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً .. فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً .. فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً .. ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ .. فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ.) تقصّ هذه الآية قصة «خلق» الإنسان ، ابتداء من النطفة ، التي جعلها الله سبحانه وتعالى فى قرار مكين .. هو الرّحم.
وهنا يتجلى الإعجاز القرآنى ، حتى ليكاد يلمس باليد ، إن عميت عنه العيون ، وزاغت عنه الأبصار!
فقد رأينا كيف فرق النظم القرآنى بين أمرين :
فأولا : جعل إيجاد الإنسان من الطين ، عملية خلق .. (خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ).
وثانيا : جعل توالد الإنسان من النطفة عملية وظيفية ، تخضع لسنن ظاهرة يدركها الإنسان ، ويعمل على تحقيقها ، وقد عبر عنها القرآن بلفظ «جعل» .. (ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ).
وهنا فى هذه الآية ـ وهو موضع العجب والدّهش والانبهار لهذا الإعجاز ـ هنا تتحرك النطفة نحو غايتها إلى أن تكون مولودا بشرا .. يتنقّل من نطفة ، إلى علقة ، إلى مضغة ، إلى هيكل عظمى معرّى من اللحم .. إلى هيكل بشرى يكسوه اللحم .. إلى جنين .. ثم طفل ..
وهذه الأطوار ، هى فى الواقع انطلاقة لهذه النطفة ، وإظهار لما فى كيانها ..! وعلى هذا ، فقد كان من المتوقع أن تكون هذه التحركات للنطفة من باب «الجعل» لا «الخلق» لأن النطفة ذاتها «مجعولة» وكل ما تعطيه هو من «المجعول» أيضا ..