وهما ـ أي النور والظلام ـ يتقاومان ، ويتغالبان ، إلى أن يغلب النور الظلام ، والخير الشرّ ، ثم يتخلص الخير إلى عالمه ..
والبارئ تعالى هو الذي مزجهما وخلطهما لحكمة رآها فى التركيب .. ويرى «زرادشت» أن النور هو الأصل ، وأن وجوده وجود حقيقى ، وأمّا الظلمة فتبع له .. كالظل بالنسبة إلى الشخص .. ولما كان الباري يرى أنه موجود ، وليس بموجود ، فقد أبدع النور ، وحصل الظلام تبعا .. لأن من ضرورة الوجود التضادّ» (١).
ونلاحظ هنا أن هذا الرأى يقارب كثيرا ما تقول به التوراة فى سفر التكوين .. فما تحدّث به التوراة يكاد يكون نقلا حرفيًّا له!
كما يلاحظ أيضا أن قول «زرادشت» بأن الخير والشرّ ، والصلاح والفساد ، والطهارة والخبث ، إنما حدثت من امتزاج النور والظلمة ـ يلاحظ أن هذا القول يتفق مع أحدث النظريات الفلسفية والأخلاقية التي تقول ، بأن الخير والشر لا يوجدان خالصين .. فالخير ممتزج بالشر ، والشرّ معه الخير .. (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) ..
الخير والشر فى معابير الفلسفة الحديثة :
ولا بد لنا من نظرة إلى عصرنا هذا ، وإلى نظرته إلى الخير والشر ، عند العلماء ، والفلاسفة ، ورجال الدّين والأخلاق ..
فلقد عنيت الفلسفة الحديثة بالسلوك الإنسانى ، وجعلت الإنسان موضوعا بارزا من موضوعات الدراسة والنظر فى منهجها.
كان ما وراء الطبيعة فى الفلسفة القديمة ، هو كل ما يشغل الفلاسفة ، ويسيطر على تفكيرهم .. فجاءت نظرياتهم تخطيطا لصور من المثاليات القائمة على
__________________
(١) انظر الملل والنحل للشهرستانى .. ج ٢ ص ٦٩ وما بعدها.