والحقّ أن هذا قياس مع الفارق ـ كما يقولون ـ فالزّانى الذي جلد فى الزنا إنما ارتكب جريمة ، قامت عليه بالبيّنة ، أو بالإقرار ، أو بالحبل .. وفيها أن من أقرّ على نفسه ، وطلب التطهير ، هو شخص لم يقبل ضميره هذا المنكر ، وأنه طلب بنفسه إنزال العقوبة به ، ومثل هذا لا يمكن أن يشهد زورا ، ومن ثمّ فهو عدل لا تردّ شهادته .. ومن جهة أخرى ، فإن المجلودة أو المجلود فى الزّنا ، قد غلبتهما شهوة ، وتسلط عليهما هوى ، وأنهما بهذا قد جنيا على أنفسهما ، أما شاهد الزور هنا ، فهو إنما دخل إلى هذا الأمر لما غلب على طبيعته من فساد ، وليس عن حال طارئة ، أو شهوة غالبة ، ثم إنه بهذا الزور يجنى على نفسه كما يجنى على غيره .. وكذلك الشأن فى كل شهادة ، هى فى أصلها مؤثرة فيمن شهد عليه .. فردّ شاهد الزور الذي ثبت عليه هذا ، ثم أقيم عليه الحدّ فيه ، هو حماية للناس من أن يجنى عليهم بشهادة الزور ، وقد جرّب عليه هذا ، وأنه إذا كانت شهادته قد ردّت هنا ، ولم يؤخذ بها ، فإنه إذا كان له أن يشهد بعد هذا وأن تقبل شهادته ، فقد يشهد بالزور ، وقد يقضى بما شهد به .. وفى هذا بلاء وشر ، يقع على الناس منه ..
وعلى هذا ، فإننا نرى أن المجلود فى القذف لا تقبل شهادته أبدا .. وإن قبلت شهادة المجلود فى الزنا .. وبهذا يكون الاستثناء فى قوله : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا) واقعا على صفة الفسق ، التي تسعها رحمة الله ، وتشملها مغفرته .. لأن أمرها يتعلق بحق من حقوق الله .. أما شهادة الزور ففيها حق الناس ، الذين تحمل عليهم هذه الشهادة.
ويؤيد هذا ما جاء فى الرسالة المشهورة المعروفة برسالة القضاء ، والمنسوبة إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه .. وفيها : «المسلمون عدول بعضهم على بعض ، إلا مجلودا فى حدّ ، أو مجربا عليه شهادة زور ، أو كان ظنينا فى نسب