ثم إن فى وصف «مسطح» بقوله تعالى : (أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ) ـ إثارة لأكثر من عاطفة تعطف أبا بكر على الإنسان الذي آذاه فى شرفه .. فهناك عاطفة القرابة ، ثم عاطفة الحاجة والمسكنة ، ثم عاطفة الهجرة فى سبيل الله .. وكل واحدة منها تدعو إلى الرحمة والمغفرة ، فكيف إذا اجتمعن جميعا فى هذا الإنسان الذي أوقعه سوء حظه فيما وقع فيه؟ إن هناك لأكثر من داعية تدعو إلى إقالته من عثرته ، والتجاوز عن مساءته ..
قوله تعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ).
هو وعيد لأولئك الذين لم يمسكوا ألسنتهم بعد عن الخوض فى هذا الحديث ، والذين لا زال فى أنفسهم بقية من شك فى براءة أم المؤمنين وطهرها .. فهى ـ كما وصفها الله سبحانه ، وتعالى ـ المحصنة ، أي الطاهرة المبرأة من السوء ، وهى الغافلة عن هذا المنكر ، فلم يطف بها ، ولم يقع فى خطرة من خطرات نفسها ، وهى المؤمنة ، الكاملة الإيمان ، المتحصّنة بإيمانها الوثيق ، الذاكرة لجلال ربها وخشيته .. وفى كل صفة من هذه الصفات عاصم يعصم المتصف بها من الزلل ، والوقوع فى هذا المنكر .. وكيف وقد اجتمعن جميعا ، فى أمّ المؤمنين ، الصديقة بنت الصديق ، والحبيبة بنت الحبيب إلى رسول الله ، صلوات الله وسلامه عليه؟
ـ وقوله تعالى : (لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) ـ هو الجزاء الذي يلقاه كل من يخوض فى أعراض المؤمنين والمؤمنات ، ويرميهم بالفاحشة ،