أنوار السماء تنزل على النبي ، فيغمرها هذا النور البهىّ ، ويملأ قلبها ووجدانها ، علما ، وحكمة ، وطهرا .. فكانت بهذا ، المرأة التي أخذت بحظ النساء جميعا من هذا الخير المنزل من السماء .. وكأنها الشاهد القائم على أن المرأة شريكة للرجل حتى فى مقام النبوة ، التي إن اختص بها الرجال فكان منهم الأنبياء ، فإن النساء لم يحرمن حظهن منها ، فكان منهن حواريو الأنبياء!!
فامرأة هذا شأنها ، وذلك هو منبتها ، ومرباها ، يكون من البعيد بعد المستحيل ، أن تزلّ وأن تسقط ، وأن تأتى من المنكر ما تأباه الحرّة ، على شرفها وخلقها ، ومروءتها ..!
ومن جهة أخرى .. فإن الله الذي اصطفى النبي لحمل رسالة السماء ، وصفّى جوهره من كل شائبة ، حتى لقد كان نورا أقرب إلى هذا النور الذي ينزل عليه وحيا من ربه ـ إن الذي اصطفى محمدا لهذا ، قد اصطفى له ـ فيما اصطفى ـ أزواجه ، وأصحابه ، ومواليه ، ومن كان على صلة قريبة مدانية له ..
وقد كانت السيدة عائشة ، أقرب المقربين إلى رسول الله ، وأشدّهم صلة به ، وأكثرهم اطلاعا على سره وعلانيته. فهى ـ والأمر كذلك ـ أصفى من اصطفى الله سبحانه وتعالى من النساء ـ إن لم يكن من الرجال ـ لصحبة نبيه ، ومرافقته رفقة ملازمة ، فى أخطر دور من أدوار رسالته ، وأكثرها ازدحاما والتحاما بالأحداث!.
فإذا جاء قوله تعالى : (وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ) كان مفهوم هذا واضحا أتمّ وضوح وأبينه ، فى التقاء السيدة عائشة بالنبيّ ، وصحبتها له ، وجعلها زوجا يسكن إليها ، ويسعد بصحبتها .. إنها طيبة أطيب الطيبات ، لا تكون إلا لطيّب بفضلها طيبا ، وإن صاحبها لطيب ، أطيب الطيبين ، لا يتصل به ، ولا يدخل فى حياته إلا طيبة ، أشكل الطيبات به ، وأقربهن طيبا إلى طيبه!.