والمشرق ، أو النصف الشرقي من الكرة الأرضية ، تختلف طبائع الناس فيه ، بين من كان منهم فى أقصى الشرق ، ومن كان فى أقصى الغرب من هذا الشرق ، وذلك لامتداد المسافة وطولها بين شرق الشرق وغربه ، وكذلك الشأن فى الغرب ، ولهذا جاء قوله تعالى : (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) (١٧ : الرحمن) وجاء فى آية أخرى : (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) (٤٠ : المعارج) .. فالمشرق مشرقان ، والمغرب مغربان .. والمشرق مشارق ، والمغرب مغارب ، وذلك حسب اتساع النظرة التي ينظر بها إليهما.
ولا شك أن وصف الشجرة الزيتونة بأنها لا شرقية ولا غربية ، يدلّ على أنها أكرم شجرة زيتون ، وأحسنها ، وأتمها ، إذ كانت تنبت فى أعدل مكان من الأماكن التي تنبت فيها.
* * *
ونعود إلى هذا التشبيه الذي شبه به نور الله ..
وقد أكثر المفسرون القول فى العائد عليه الضمير فى قوله تعالى : (مَثَلُ نُورِهِ) أهو الله؟ أم المؤمن؟ أم قلب المؤمن؟ أم القرآن؟ أم النبي صلىاللهعليهوسلم؟.
والذي تدل عليه الآية صراحة ، هو أن هذا الضمير يعود إلى الله سبحانه وتعالى ، وأن هذا التشبيه هو تشبيه لنور الله ، وإنه لا حرج من أن يشبه نور الله بما يقع لحواسنا من نور ، ولله ـ مع هذا ـ المثل الأعلى ، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) وقد وصف سبحانه ذاته ، بأنه يرى ، ويسمع ، ويطوى السموات بيمينه ، ويصنع من يصطفى من عباده على عينه .. إلى غير ذلك مما هو من صفات الإنسان ، وأعماله .. وما ذلك إلا لنعطيه سبحانه ، نحن البشر ـ الوصف الكامل ، الذي ننتزعه من عالم الحس الذي نعيش فيه ..