ولا بد من الإشارة إلى أن التعبير عن قيومية الله سبحانه وتعالى ، وسلطانه القائم فى الوجود ـ بالنور .. إنما هو لما فى النور من لطف ، بحيث لا يتجسد أبدا ، بل أنه فى هذا على عكس الأشياء كلها ، فالأشياء اللطيفة كالزجاج الرقيق مثلا ، كلما علت طبقة منه طبقة أخرى زادت كثافته ، ثم لا تزال شفافيته نقل كلما تكاثرت طبقاته حتى يصبح جسما معتما .. أما النور ، فإنه كلما تضاعفت أشعته ، ازداد شفافية وقدرة على كشف المرئيات التي يقع عليها .. فنور شمعة فى حجرة ، ونور آلاف منها فى نفس الحجرة ، هو هو من حيث أنه لا يشغل حيّزا فيها ، ولا يحدث خلخلة فى الهواء الموجود بها ، وإن كان يزيد الموجودات وضوحا وانكشافا.
ومن جهة أخرى ، فإن النور ـ مع شفافيته ، ومع زيادة هذه الشفافية كلما قوى وكثر ـ هو أكثر ظواهر الطبيعة سرعة ، بحيث لا يكاد يقيد بقيد الزمن .. فالشعاعة من الضوء تنتقل من طرف الأرض إلى طرفها الآخر فى لمحة بصر ، لا تتجاوز جزءا من الثانية ...
فالنور ـ كما ترى ـ لا يتحيز فى مكان ، ولا يكاد يتقيّد بزمان.
والله سبحانه وتعالى لا يحويه مكان ، ولا يحدّه زمان ..
فإذا كان الله نور السموات والأرض ، كان معنى هذا أنه ـ سبحانه ـ وهو القيوم على الوجود ـ ليس حالّا فى الموجودات ، ولا متحيزا فيها ، ولا محجوزا فى مكان منها دون مكان .. وأقرب مثل لهذا فى تصورنا ، هو النور المنبعث من مصباح فى زجاجة درية ، داخل مشكاة ، هى أشبه بالوجود الذي يستضىء بنور الله .. فهذه المشكاة ، يكشف النور وجودها ، دون أن يشغل حيزا فيها ، ودون أن تحيزه هى داخلها ، لأنها شفافة لا تحجب النور