لآلهتهم تلك التي يعبدونها عقول كعقولهم؟ وهل يعقل أن يكون المعبود ، دون العابد في شىء؟ ..
إنهم هم أنفسهم لا يرضون بهذا ، لا يرضون لأحد أن ينزل آلهتهم من هذه السماء التي ينظرون من أرضهم إليها .. فهذه الدّمى عاقلة ، وإن كانت من حجر منحوت ، أو خشب منجور ، أو معدن مصنوع ..!! وهل يرى الأطفال فى الدّمى واللعب التي بين أيديهم إلا شخوصا حية ، عاقلة ، يناجونها ، ويلقون إليها بأمانيهم ، وخواطرهم .. إن هذا من ذاك سواء بسواء ..!
وقوله تعالى : (وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً ، وَلا نُشُوراً) هو بيان لصفات أخرى ، من صفات هذه الآلهة .. فهى مخلوقة غير خالقة ، وهى لا حول لها ولا طول ، إذ أنها في جمودها هذا لا تستطيع التحول من حال إلى حال ، ولا الحركة من مكان إلى مكان .. حتى لو أرادت أن تحطم نفسها ما استطاعت ، ولو أرادت أن تدفع عنها يد من يحطمها ما كان لها إلى ذلك من سبيل .. إنها باقية على حالها تلك ، إلى أن يطرقها حدث من الأحداث ، فيغير من وضعها ، كيف يشاء ، دون أن يكون لها موقف .. إيجابا ، أو سلبا .. وهل يملك الجماد شيئا إلا أن يجمد على ما هو عليه ، حتى تجىء إليه قوّة من الخارج ، فتحدث فيه ما تحدث من تغيير وتبديل؟ ..
وقدمّ الضّرّ على النفع ، لأن جلب الضرّ أيسر من تحصيل النفع .. فالإنسان يستطيع أن يضر نفسه بأيسر مجهود ، بل وبلا مجهود أصلا ، وحسبه أن يقف في طريق الحياة من غير حركة ، فإنه إن فعل ، سيجد ألوانا من الضرّ والأذى تزحف إليه من كل اتجاه .. وليس كذلك تحصيل النفع ، فإنه يحتاج إلى بذل ، وجهد ، هو الثمن المقابل لهذا النفع ، كيلا بكيل ، ووزنا بوزن ..