وهذه الجمادات ـ ومنها تلك الأصنام ـ لا تملك أن تتحول من حال إلى حال أبدا ، سواء في الاحتفاظ بوضعها ، أو التحول عنه إلى وضع أسوأ ، أو أحسن .. إنها لا تملك «موتا» لنفسها ، وذلك بتحطيم صورتها التي تشكلت عليها ، ولا «حياة» أي إيجاد هذه الصورة من قبل أن توجد ، «ولا نشورا» أي إعادة هذه الصورة بعد تحطيمها ..
هذا شأنها مع نفسها .. عجز مطلق واستسلام صامت .. فهل يمكن ـ مع هذا ـ أن يكون لها حيلة مع غيرها ، فى دفع ضر ، أو جلب نفع؟ ذلك محال .. وأبعد منه استحالة ، أن تقدر على إماتة حى ، أو إيجاد حى ، أو بعث ميت .. فذلك مما عجز عنه الأحياء .. والذي لا يملكه إلا خالق الحياة ، وموجد الأحياء .. الله رب العالمين ..
قوله تعالى :
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ .. فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً).
تكشف الآية هنا عن وجه هؤلاء الذين ذكرتهم الآية السابقة بضمير الغيبة ، دون أن تذكر صفتهم ، أو ترجع هذا الضمير إلى مذكورين من قبل ذلك في قوله تعالى : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) :
ـ ففي قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ..) إشارة دالة على أن هؤلاء الكافرين الذين يقولون هذا القول المنكر في القرآن الكريم ـ هم أولئك الذين اتخذوا من دونه آلهة!
وإنك لو ذهبت تضع كلا من الآيتين مكان الأخرى ، لا استقام النظم. بل إنك لو كنت الذي يحدّث بهذا الأمر ، ويصوغ هذا القول ، لما ذهبت غير هذا المذهب فجعلت تكذيب المشركين بآيات الله ، واتهامهم الرسول بالكذب