وهكذا رأى داود وجه الحقّ ، فأخذ به ، ولم يمسك حكمه الذي استبان له أولا ..
قوله تعالى :
(وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ ؛ وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ).
(صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ) : اللبوس هنا ما يلبس للحرب ، من دروع وغيرها.
(لِتُحْصِنَكُمْ) أي تكون لكم حصنا ووقاية فى القتال.
(مِنْ بَأْسِكُمْ) : أي من عدوان بعضكم على بعض .. والبأس : الشدّة ، والقوّة.
وهذه الآية هى تفصيل لمجمل قوله تعالى : (وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً) ، وهى ـ من جهة أخرى ـ دفع لهذا الوهم الذي قد يتسرب لبعض العقول من قوله تعالى : (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) والذي قد يقع منه فى الفهم. انتقاص لقدر داود عليهالسلام ..
فداود عليهالسلام. نبىّ كريم عند الله ، محفوف بفضله وإحسانه .. ومن فضل الله عليه أنه سخّر معه الجبال والطير ، تسبّح جميعها بحمد الله ، وتشكر له .. فإذا سبّح بحمد الله ، وجد الوجود كله من حوله ، من جماد وحيوان ، يسبّح معه ، ويأتمّ به فى هذا التسبيح ، فيكون من ذلك كلّه نشيد متناغم ، يملأ أسماع الكون ، فتفيض به مشاعر داود ، ويرتوى منه قلبه ، ويصبح كيانه كلّه نغما منطلقا بتمجيد الله ، مترنّما بتقديسه وحمده.
وفى قوله تعالى : (وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ) إشارة إلى أن هذه الكائنات ، من جبال وطير ، مسخرات من الله ، لتسبيحه وتمجيده ، كما سخّر داود من الله لتسبيحه وتمجيده ، وأنها قد انضمت مع داود وتجاوبت معه ، وائتلفت به .. وهذا ما جعل لداود هذا الإحساس بها ، حين أزيل الحجاب بينه وبينها ،