وقد تغيّر بعض المواقع إلى أماكن أخرى ، لكنّ المهم إنّ مساحة القاعات والغرف تبقى كما هي دون زيادة أو نقصان ، فالنزول الدفعي بمنزلة الماكت والمخطط للمشروع وقد جيء به ربّ العالمين قبل البدء بالتشريع ومعناه أنّ القرآن سيؤلّف من ١١٤ سورة ، يكون بعضها أكبر من الأخرى وهي تشغل هذا الحيز الرباني ، المهم أنّ كلّ سورة هي معروفة عند النبي بدءها بالبسملة وختمها بالآية الكذائية وبعد هذا فلا ضير أن ينتهج عثمان في تنظيم مصحفه بالطوال ثمّ بالمئين والختم بالقصار أو أن يبدأ الإمام علي مصحفه بالسور المكيّة ثمّ المدنية الأوّل منها فالأوّل أو أن يبدأ ابن مسعود مصحفه بالحواميم ثم ... المهم أن ينتهي الكل إلى نتيجة واحدة وهو عدم سقوط آية أو سورة من الكتاب العزيز ، لأنّا قد أثبتنا عدم توقيفية ترتيب السور ، أمّا الآيات فهي توقيفية.
إذن الله سبحانه جاء بالماكت ورسم المخطط قبل البدء بالتشريع لكن هذا لا يعني بأنّ المشروع قد تمّ بمجيء الماكت بل أنّه في بداياته ، فسبحانه كان ينظر إلى الوقائع وما يجب أن يتخلله من الآيات وعظ وقصص ، وأنّه سبحانه كان ينزلها بقدر معلوم ثمّ يأمر جبرئيل الأمين والصادق الأمين أن يجمعاه في كلّ عام ، فكان جبرئيل يأتي رسول الله في رمضان من كلّ سنة يعارضه ما نزل عليه من القرآن فيها كي يرجعا النازل منجّما إلى ترتيب ما أراده الله في اللوح المحفوظ والنازل دفعة واحداً أيضاً ، وهو معنى قوله تعالى : (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ). وقوله تعالى : (وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ).