وعليه فنحن مأمورون بالتلاوة طبق النازل دفعةً واحدة ـ والذي يعلم به رسول الله ـ لكن ليس كلّ ما يعلم به الرسول صار قرآناً ، بل القرآن يكون قرآناً بعد امضاء ذلك من قِبل ربّ العالمين (فَإِذَا قرآناهُ فَاتَّبِعْ قرآنهُ) أي فإذا قرّرناه بأنّه صار قرآناً فعليك أن تقرأه في صلاتك وأن تثبّته في مصحفك.
لكنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله لعلمه بما في اللوح المحفوظ ربما كانت لديه رغبة
في تلاوة الآيات المتبقّية (من أوّل السورة أو وسطها أو آخرها) التي يراد إقرارها لاحقاً من قِبل رب العالمين والتي لم تنزل بعد ، والتي كان من المفترض أن تنزل في العام القادم أو ما بعد القادم ، فجاءه النهي الدستوري في قوله تعالى : (وَلَا تَعْجَلْ بِالقرآن قَبْلَ أنْ يُقضَى إليكَ وَحْيُه وَقُل رَبِّ زِدْنِي عِلْماَ) ، وقوله تعالى : (ولا تحرِّكْ بِهِ لسانَكَ لتعجَل به إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقرآنهُ).
وهذا النهي من قبل الباري تعالى لرسوله يُفهم منه وجود دقة في ضبط كلام رب العالمين من قبل المَعصُومَين الأمينَين (١) ، وفوق كلّ ذلك من قِبَل ربّ العالمين ، خلافاً لما انتهجه الخلفاء من منهج خاطيء كان يوصل الأمّة إلى التحريف وإلى الاستخفاف بالقرآن الكريم.
ولو تأمّلت في قوله تعالى : (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقرآنهُ) وقوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) لعرفت بأنّ فيهما دلالة واضحة على أن أمر جمع القرآن يرتبط بالله أولاً ، ثمّ بالملك جبرئيل والرسول محمّد صلىاللهعليهوآله ثانياً ، وأخيراً
__________________
(١) جبرئيل الأمين والصادق الأمين.