معنى الآيات :
ما زال السياق في أولئك العادلين بربهم المطالبين بالآيات الكونية ليؤمنوا إذا شاهدوها فأخبر تعالى في هذه الآيات أنه لو نزل إليهم الملائكة من (١) السماء ، وأحيى لهم الموتى فكلموهم وقالوا لهم لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وحشر عليهم كل شىء (٢) أمامهم يعاينونه معاينة أو تأتيهم المخلوقات قبيلا بعد قبيل وهم يشاهدونهم ويقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله ، ما كانوا ليؤمنوا بك ويصدقوك ويؤمنوا بما جئت به إلا أن يشاء (٣) الله ذلك منهم. ولكن أكثر أولئك العادلين بربهم الأصنام والأوثان يجهلون أن الهداية بيد الله تعالى وليست بأيديهم كما يزعمون وأنهم لو رأوا الآيات آمنوا.
هذا ما دلت عليه الآية (١١١) أما الآية الثانية (١١٢) فإن الله تعالى يقول وكما كان لك يا رسولنا من هؤلاء العادلين أعداء يجادلونك ويحاربونك جعلنا لكل نبي أرسلناه أعداء يجادلونه ويحاربونه (شَياطِينَ (٤) الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي (٥) بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ) أي القول المزين بالباطل المحسن بالكذب (غُرُوراً) أي للتغرير والتضليل ، (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ) أيها الرسول عدم فعل ذلك الإيحاء والوسواس (ما فَعَلُوهُ) إذا (فَذَرْهُمْ) أي اتركهم (وَما يَفْتَرُونَ) من الكفر والكذب والباطل.
هذا ما دلت عليه الآية الثانية أما الآية الثالثة (١١٣) وهي قوله تعالى : (وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ، وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ) هذه الآية بجملها الأربع معطوفة على قوله (زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) إذ إيحاء شياطين الجن والإنس (٦) كان
__________________
(١) فرأوهم عيانا.
(٢) أي شيئا سألوه وطلبوه.
(٣) الاستثناء منفصل فهو بمعنى لكن إن شاء الله إيمانهم آمنوا والآية تحمل التسلية والعزاء له صلىاللهعليهوسلم.
(٤) شياطين الإنس والجن بدل من قوله عدوّا ويصح أن يكون نعتا أيضا.
(٥) يوحي بمعنى يلقى إليه الباطل المزين بطريق الوسواس فيفهم عنه إذ الإيحاء الإعلام السريع الخفي وشاهده من السنة قوله صلىاللهعليهوسلم «ما منكم من احد إلّا قد وكل به قرينه من الجن ، قيل ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلّا أن الله أعانني عليه فأسلم».
(٦) روي عن مالك بن دينار أنه قال : شياطين الإنس أشد من شياطين الجن ، وذلك أني إذا تعوذت بالله ذهب عني شيطان الجن وشيطان الإنس يجيئني فيجرني إلى المعاصي عيانا. ويشهد لهذا ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمع امرأة تنشد :
إن النساء رياحين خلقن لكم |
|
وكلكم يشتهي شم الرياحين |
فأجابها عمر رضي الله عنه قائلا :
إن النساء شياطين خلقن لنا |
|
نعوذ بالله من شر الشياطين |