يوالونهم على الفساد والشر والشرك والكفر (رَبَّنَا) أي يا ربنا (اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ) أي كل منا تمتع بخدمة الآخر له وانتفع بها ، يريدون أن الشياطين زينت لهم الشهوات وحسنت لهم القبائح وأغرتهم بالمفاسد فهذا انتفاعهم منهم وأما الجن فقد انتفعوا من الإنس بطاعتهم والاستجابة لهم حيث خبثوا خبثهم وضلوا ضلالهم. وقولهم (وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا) أي واستمر ذلك منا إلى أن انتهينا إلى أجلنا الذي أجلته لنا وهو نهاية الحياة الدنيا وها نحن بين يديك ، كأنهم يعتذرون بقولهم هذا فرد الله تبارك وتعالى عليهم بإصدار حكمه فيهم قائلا : (النَّارُ مَثْواكُمْ (١) خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللهُ) ومعنى مثواكم : مقامكم الذي تقيمون فيه أبدا.
ومعنى قوله (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) هو استثناء (٢) لبيان إرادة الله المطلقة التي لا يقيدها شىء ، إذ لو شاء أن يخرجهم من النار لأخرجهم أي ليس هو بعاجز عن ذلك ، ومن الجائز أن يكون هذا الاستثناء المراد به من كان منهم من أهل التوحيد ودخل النار بالفسق والفجور وكبير الذنوب بإغواء الشياطين له فإنه يخرج من النار بإيمانه ، ويكون معنى (ما) (من) أي إلا من شاء الله. والله أعلم بمراده ، وقوله في ختام الآية ، (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) ، ومن مظاهر حكمته وعلمه إدخال أهل الكفر والمعاصي النار أجمعين الإنس والجن سواء.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ بيان سنة الله تعالى في الهداية والإضلال.
٢ ـ بيان صعوبة وشدة ما يعاني الكافر إذا عرض عليه الإيمان.
٣ ـ القلوب الكافرة يلقى فيها كل ما لا خير فيه من الشهوات والشبهات وتكون مقرا للشيطان.
٤ ـ فضيلة الذكر المنتج للتذكر الذي هو الإتعاظ فالعمل.
٥ ـ ثبوت التعاون بين أخباث الإنس والجن على الشر والفساد.
٦ ـ إرادة الله مطلقة يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فلا يؤثر فيها شيء.
__________________
(١) المثوى المقام أي النار موضع مقامكم.
(٢) ذكر المفسرون أقوالا كثيرة في هذا الاستثناء وما ذكرته في التفسير أحسن ما يؤول به هذا الاستثناء الإلهي في هذه الآية وفي آية هود.