معنى الآيات :
قوله تعالى : (وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) إخبار منه تعالى بسنته في أهل الظلم وهي أن يجعل بعضهم أولياء بعض بمعنى يتولاه بالنصرة والمودة بسبب الكسب الشيء الذي يكسبونه على نحو موالاة شياطين الإنس للجن فالجامع بينهم الخبث والشر وهؤلاء الجامع بينهم الظلم والعدوان ، ولا مانع من حمل هذا اللفظ على تسليط الظالمين بعضهم على بعض على حد : ولا ظالم إلا سيبتلى بأظلم. (١) كما أنه تعالى سيوالي يوم القيامة إدخالهم النار فريقا بعد فريق وكل هذا حق وصالح لدلالة اللفظ عليه.
وقوله تعالى : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) إخبار منه تعالى بأنه يوم القيامة ينادي الجن والإنس موبخا لهم فيقول : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ (٢) يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) أي ألم يأتكم رسل من جنسكم تفهمون عنهم ويفهمون عنكم (يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي) أي يتلونها عليكم ويخبرونكم بما تحمله آياتي من حجج وبراهين لتؤمنوا بي وتعبدوني وحدي دون سائر مخلوقاتي ، وينذرونكم أي يخوفونكم ، لقاء يومكم هذا الذي أنتم الآن فيه وهو يوم القيامة والعرض على الله تعالى. وما يتم فيه من جزاء على الأعمال خيرها وشرها ، وأن الكافرين هم أصحاب النار. فأجابوا قائلين : شهدنا على أنفسنا ـ وقد سبق أن غرتهم (٣) الحياة الدنيا فواصلوا الكفر والفسق والظلم ـ (وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ (٤) أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ).
هذا ما دلت عليه الآيتان الأولى والثانية أما الثالثة (١٣١) فقد تضمنت الإشارة إلى علة إرسال الرسل إلى الإنس والجن إذ قال تعالى (ذلِكَ (٥) أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ (٦)
__________________
(١) في هذا المعنى قول الشاعر :
وما من يد إلا يد الله فوقها |
|
ولا ظالم إلّا سيبلى بظالم |
(٢) قوله منكم فيه تغليب الإنس على الجن في الخطاب كما يغلب المذكر على المؤنث إذ الرسل من الإنس لا غير ومن الجن نذر ينذرونهم بما يتلقونه عن الرسل من الإنس كما قال تعالى (فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) وشاهد آخر في قوله تعالى (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) والمراد البحر الملح فقط وفي وصف الرسل بلفظ منكم زيادة في إقامة الحجة عليهم.
(٣) غرتهم إذ عجلت لهم طيباتهم فيها فانفردوا بزخارفها وزينتها وطول العمر فيها.
(٤) قال مقاتل هذا معنى شهدت عليهم الجوارح بالشرك.
(٥) ذلك في موضع رفع أي الأمر ذلك وإن مخففة من الثقيلة أي المشددة واسمها ضمير الشأن محذوف وذلك لأن هذا الخبر له شأن يجدران يعرف والتقدير الأمر ذلك لأنه ـ أي الشأن ـ لم يكن ربك مهلك القرى بظلم الخ.
(٦) الباء في بظلم سببية أي بسبب ظلمهم وجملة وأهلها غافلون حالية.