وقوله تعالى في ختام الآية (افْتِراءً عَلَيْهِ) أي كذبا على الله تعالى لأنه تعالى ما حرم ذلك عليهم وإنما حرموه هم بأنفسهم وقالوا حرمه الله علينا ، ولذا توعدهم الله تعالى على كذبهم هذا بقوله : (سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ) أي سيثيبهم الثواب الملائم لكذبهم وهو العذاب الأخروي.
هذا ما دلت عليه الآية الثالثة أما الآية الرابعة (١٣٩) (وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا ، وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ) فقد تضمنت تشريعا آخر باطلا اختلقوه بأنفسهم وزعموا أن الله شرعه لهم وهو أنهم حرموا ما في بطون بعض الأنعام على الإناث ، وجعلوها حلالا للذكور خالصة لهم دون النساء فلا يشرب النساء من ألبانها ولا يأكلن لحوم أجنتها إن ذبحوها ولا ينتفعن بها بحال ، اللهم إلا أن ولد الجنين ميتا فإنهم لا يحرمونه على النساء ولا يخصون به الذكور فيحل أكله للنساء والرجال معا ، ولذا توعدهم تعالى بقوله (سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ (١) إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) أي سيثيبهم على هذا الكذب بما يستحقون من العذاب إنه حكيم في قضائه عليم (٢) بعباده.
هذا ما دلت عليه الآية الرابعة أما الخامسة (١٤٠) فقد أخبر تعالى بخسران أولئك المشرعين وضلالهم وعدم هدايتهم بقوله (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً) أي جهلا (بِغَيْرِ (٣) عِلْمٍ ، وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ) مما سبق ذكره (افْتِراءً عَلَى اللهِ) كذبا (قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ).
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ حرمة الابتداع في الدين والتشريع المنافي لشرع الله تعالى وإن لم ينسب إلى الله تعالى.
٢ ـ ما ينذره الجهال اليوم من نذور للأولياء وإعطائهم شيئا من الأنعام والحرث والشجر هو من عمل المشركين زينه الشيطان لجهال المسلمين.
٣ ـ حرمة قتل النفس لأي سبب كان وتحديد النسل اليوم وإلزام الأمة به من بعض
__________________
(١) أي كذبهم وقيل في الوصف كذب لأنهم وصفوا بعض الأجنة بالحرمة وبعضا آخر بالحلية وهو كقوله تعالى من سورة النحل (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ).
(٢) قال القرطبي في الآية دليل على أن العالم ينبغي له أن يتعلم قول مخالفه وإن لم يأخذ به حتى يعرف فساد قوله ويعلم كيف يرد عليه لأن الله تعالى علّم نبيه وأصحابه قول من خالفهم في زمانهم ليعرفوا فساد قولهم.
(٣) في الآية دليل واضح على حرمة القول بدون علم وكذا الاعتقاد والعمل فلا يحل لأحد أن يعتقد أو يقول أو يعمل بدون علم شرعي قد تمكن من معرفته.