(خَلائِفَ الْأَرْضِ) : أي يخلف بعضكم بعضا جيل يموت وآخر يحيا إلى نهاية الحياة.
(لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ) : أي ليختبركم فيما أعطاكم من الصحة والمرض والمال والفقر والعلم والجهل.
معنى الآيات :
في هذه الآيات وهي خاتمة هذه السورة التي بلغت آياتها بضعا وستين ومائة آية وكانت كلها في الحجاج مع العادلين بربهم وبيان طريق الهدى لهم لعلهم يؤمنون فيوحدون ويسلمون. في هذه الآيات أمر الله رسوله أن يعلن عن مفاصلته لأولئك المشركين فقال له (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي) (١) أي ما أذبحه تقربا إلى ربي ، (وَمَحْيايَ) أي ما آتيه في حياتي (وَمَماتِي) أي ما أموت عليه من (٢) الطاعات والصالحات (لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) وحده (لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ) أي أمرني ربي سبحانه وتعالى ، (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) لا يسبقني أحد أبدا. كما أمره أن ينكر على المشركين دعوتهم إليه صلىاللهعليهوسلم لأن يعبد معهم آلهتهم ، ليعبدوا معه إلهه وقال : (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا) أي أطلب إلها ، (وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ) أي ما من كائن في هذه الحياة إلا والله ربه أي خالقه ورازقه ، وحافظه ، وأعلمه أنه لا تكسب نفس من خير إلا وهو لها ، ولا تكسب من شر إلا عليها ، وأنه (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) أي لا تحمل نفس مذنبة ذنب نفس مذنبة أخرى ، وأن مرد الجميع إلى الله تعالى (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) أي ويقضي بينكم فينجو من ينجو ويهلك من يهلك ، كما أخبره أن يقول : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ) أي يخلف بعضكم بعضا هذا يموت فيورث ، وهذا الوارث يموت فيورث ، وقوله (وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) أي هذا غنى وهذا فقير ، هذا صحيح وهذا ضرير هذا عالم وذاك جاهل ، ثم علل تعالى لتدبيره فينا بقوله (لِيَبْلُوَكُمْ) أي يختبركم فيما آتاكم ليرى الشاكر ويرى الكافر ولازم الابتلاء النجاح أو الخيبة فلذا قال (إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) فيعذب الكافر ويغفر ويرحم الشاكر.
هداية الآيات :
__________________
(١) قيل المراد من الصلاة هنا صلاة العيد لمناسبة النسك وهو الذبح تقربا وقيل صلاة نافلة والعموم أولى. وكذا النسك يطلق على الذبح تقربا وهو مراد هنا ويطلق على سائر العبادات من الفرائض والنوافل لأن النسك هو التعبد.
(٢) وقال القرطبي في الآية وما أوصى به بعد وفاتي وهو حسن ويشهد له قوله تعالى ونكتب ما قدموا وآثارهم.