معنى الآيات :
قوله تعالى (يا بَنِي (١) آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا (٢) عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً) هذا النداء الكريم المقصود منه تذكير للمشركين من قريش بنعم الله وقدرته عليهم لعلهم يذكرون فيؤمنون ويسلمون بترك الشرك والمعاصي ، من نعمه عليهم أن أنزل عليهم لباسا يوارون به سوءاتهم ، (وَرِيشاً) لباسا يتجملون به ، في أعيادهم ومناسباتهم ، ثم أخبر تعالى أن لباس التقوى خير لصاحبه من لباس الثياب ، لأن المتقي عبد ملتزم بطاعة الله ورسوله ، والله ورسوله يأمران بستر العورات ، ودفع الغائلات ، والمحافظة على الكرامات ، ويأمران بالحياء ، والعفة وحسن السمت ونظافة الجسم والثياب فأين لباس الثياب مجردة عن التقوى (٣) من هذه؟؟.
وقوله تعالى (ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ) أي من دلائل قدرته الموجبة للإيمان به وطاعته ، وقوله (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) أي رجاء أن يذكروا هذه النعم فيشكروا بالإيمان والطاعة.
هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٢٦) وفي الآية الثانية (٢٧) ناداهم مرة ثانية فقال (يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما (٤) سَوْآتِهِما) يحذرهم من إغواء الشيطان لهم مذكرا إياهم بما صنع مع أبويهما من إخراجهما (٥) من الجنة بعد نزعه لباسهما عنهما فانكشفت سوءاتهما الأمر الذي سبب إخراجهما من دار السّلام ، منبها لهم على خطورة العدو من حيث أنه يراهم هو وجنوده ، وهم لا يرونهم. ثم أخبر تعالى أنه جعل الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون ، وذلك حسب سنته في خلقه ، فالشياطين يمثلون قمة الشر والخبث ، فالذين لا يؤمنون قلوبهم مظلمة لا نعدام نور الإيمان فيها فهي متهيئة
__________________
(١) ابتداء الخطاب بالنداء الحكمة منه ليقع إقبال المنادين على ما بعد النداء بكل قلوبهم.
(٢) إنزال اللّباس من السماء يعود لأمور منها : أن آدم أوّل من ستر عورته بورق التين من شجر الجنة ومنها أنّ آدم نزل مكسوا وورث عنه أولاده ذلك ، ومنها أن الماء الذي به النبات ومنه يتخذ اللّباس كالقطن مثلا نزل من السماء وحتى ذوات الصوف والوير حياتها متوقفة على ماء السماء.
(٣) قال الشاعر في لباس التقوى ما يلي :
إذا المرء لم يلبس ثيابا من التقى |
|
تقلب عريانا وإن كان كاسيا |
وخير لباس المرء طاعة ربه |
|
ولا خير فيمن كان لله عاصيا |
(٤) في هذه الآية دليل على حرص الشيطان على أن يكشف الآدمي عورته لما يسبب ذلك من الفسق والفجور الذين يرغب الشيطان في إيقاع الآدمي فيهما.
(٥) تكاد تكون هذه سنة بشرية لا تتخلّف إذ ما من أمّة تبرج نساؤها فكشفن محاسنهن وأبدين عوراتهن إلّا أسرع إليها الهلاك بزوال الملك وذهاب السلطان.