المخلوقات لا يخفى عليه من أمرها شيء ، وأنه بكل شيء عليم فهو الإله الحق الذي لا إله غيره ولا رب سواه فاعبدوه ، وتوكلوا عليه واتركوا عبادة غيره والنظر إلى سواه ، وإن لم تفعلوا فسوف يعاقبكم بذلك أشد العقوبة وأقساها فإنه عزوجل شديد العقاب فاعلموا ذلك واتقوه.
هذا ما دلت عليه الآيتان الأولى (٩٧) والثانية (٩٨) أما الآية الثالثة (٩٩) فقد أكدت مضمون قوله تعالى في الآية الثانية (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) وهو وعيد شديد فقال تعالى (ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ) (١) وقد بلّغ ، فأنذر وأعذر ، وبقي الأمر إليكم إن أنبتم إلى ربكم وأطعتموه فإنه يغفر لكم ويرحمكم لأنه غفور رحيم ، وإن أعرضتم وعصيتم فإنه يعلم ذلك منكم ويؤاخذكم به ويعاقبكم عليه وهو شديد العقاب وقوله (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ) وعد ووعيد لأن علمه تعالى بالظواهر والبواطن يترتب عليه الجزاء فإن كان العمل خيرا كان الجزاء خيرا وإن كان العمل شرا كان الجزاء كذلك.
هذا مضمون الآية الثالثة أما الرابعة (١٠٠) فإنه تعالى يقول لرسوله صلىاللهعليهوسلم قل للناس أيها الناس أنه (لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ) (٢) من المعتقدات والأقوال والأعمال والرجال والأموال (٣) ، (وَالطَّيِّبُ) منها ، ولو أعجبتكم (٤) أي سرتكم كثرة الخبيث فإن العبرة ليست بالكثرة والقلة وإنما هي بالطيّب النافع غير الضار ولو كان قليلا ، وعليه (فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ) أي خافوه فامتثلوا أمره واجتنبوا نهيه رجاء حصول الفلاح لكم بالنجاة من المرهوب والحصول على المرغوب المحبوب.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ بيان عظيم تدبير الله تعالى لخلقه ، إذ أمّن مصالح قريش والعرب فأوجد لهم أمنا
__________________
(١) أي ليس عليه هداية الناس ولا التوفيق ولا الثواب. وأصل البلاغ : البلوغ وهو الوصول ، بلغ المكان يبلغه وصل إليه ، وأبلغه الشيء أوصله إليه فعلى الرسول إبلاغ أمر الله ونهيه وأخباره إلى عباده بأسلوب بلاغي يصل به إلى نفوسهم في أطيب لفظ وأحسنه.
(٢) الخبيث لا يساوي الطيب مقدارا ولا انفاقا ومكانا ولا ذهابا فالطيب يأخذ جهة اليمين ، والخبيث يأخذ ذات الشمال ، والطيّب والطيّبون في الجنة ، والخبيث والخبثاء في النار.
(٣) قالت العلماء : في قوله : (لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ) الآية دليل على أنّ البيع الفاسد يفسخ ويرد الثمن على المبتاع وشاهده من السنة قوله صلىاللهعليهوسلم : «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ».
(٤) الخطاب في قوله (وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) الخطاب صالح لكل من هو أهل للخطاب والانتفاع به من عقلاء هذه الأمة ولذا قلت في التفسير ولو أعجبتكم ولم أقل : أعجبتك.