سَفاهَةٍ) أي حمق وطيش وعدم بصيرة بالحياة وإلا كيف تخرج عن إجماع قومك ، وتواجههم بعيب آلهتهم وتسفيه أحلامهم ، (وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ) فيما جئت به أي من الرسالة ، ودعوت إليه من التوحيد ونبذ الآلهة غير الله تعالى ، فأجاب هود عليهالسلام رادا شبهتهم فقال : (يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) أي أني لست كما تزعمون أن بي سفاهة ولكني أحمل رسالة أبلغكموها ، وأنا في ذلك ناصح لكم مريد لكم الخير أمين (١) على وحي الله تعالى إلي ، أمين لا أغشكم ولا أخونكم فما أريد لكم إلا الخير. ثم واصل دعوته فقال (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ) أي أكذبتم برسالاتي وعجبتم من مجيئكم ذكر من ربكم (عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ) أي عواقب كفركم وشرككم ، أمن مثل هذا يتعجب العقلاء أم أنتم لا تعقلون؟.
ثم ذكرهم بنعم الله تعالى عليهم لعلّها تحدث لهم ذكرا في نفوسهم فيتراجعون بعد عنادهم وإصرارهم فقال : (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ (٢) مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ) أي بعد أن أهلكهم بالطوفان لإصرارهم على الشرك (وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً) (٣) أي جعل أجسامكم قوية وقاماتكم طويلة هذه نعم الله عليكم (فَاذْكُرُوا آلاءَ (٤) اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) لأنكم إن ذكرتموها بقلوبكم شكرتموها بأقوالكم وأعمالكم ، وبذلك يتم الفلاح لكم ، وهو نجاتكم من المرهوب وظفركم بالمحبوب وذلك هو الفوز المطلوب.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ الدعوة إلى عبادة الله وترك عبادة ما سواه وهو معنى لا إله إلا الله.
٢ ـ مشروعية دفع الإتهام ، وتبرئة الإنسان نفسه مما يتهم به من الباطل.
٣ ـ من وظائف الرسل عليهمالسلام البلاغ لما أمروا بإبلاغه.
__________________
(١) الأمين : هو الموصوف بالأمانة ، والأمانة أعز أوصاف البشر وفي الحديث (لا إيمان لمن لا أمانة له) ويروى : (لمن لا أمان له).
(٢) الخلفاء : جمع خليفة وهو الذي يخلف غيره في شيء أي : يتولى العمل الذي كان يقوم به الآخر ، كما يجمع خليفة على خلائف.
(٣) ويجوز بصطة : بالصاد أي طولا في الأجسام قيل كان أطولهم مائة ذراع وأقصرهم ستين ذراعا ، فالزيادة كانت على خلق من قبلهم ، وذكر القرطبي أمورا عجبا لا يحسن ذكرها.
(٤) الآلاء : مفرده إلي ويعرف فيقال الإلي وهو : النعمة وهو على وزن عنب وأعناب ونظيره إنى أي : الوقت والجمع آناء قال تعالى : (وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ) الخ.