(مِنْ قَرْيَتِنا) : مدينتنا
(فِي مِلَّتِكُمْ) : في دينكم.
(عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا) : أي فوضنا أمرنا واعتمدنا في حمايتنا عليه.
(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا) : أي يا ربنا احكم بيننا.
(وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ) : أي وأنت خير الحاكمين.
معنى الآيتين :
ما زال السياق الكريم في قصص شعيب مع قومه أهل مدين فبعد أن أمرهم ونهاهم وذكرهم ووعظهم (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) مهددين موعدين مقسمين (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا). هكذا سنة الطغاة الظلمة إذا غلبوا بالحجج والبراهين يفزعون إلى القوة فلما أفحمهم شعيب خطيب الأنبياء عليهمالسلام ، وقطع الطريق عليهم شهروا السلاح في وجهه ، وهو النفي والإخراج من البلاد أو العودة إلى دينهم الباطل : (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَ (١) فِي مِلَّتِنا) ورد شعيب على هذا التهديد بقوله : (أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ) (٢) أي أنعود في ملتكم ولو كنا كارهين لها (قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها) (٣) ووجه الكذب على الله إن عادوا إلى ملة الباطل هو أن شعيبا أخبرهم أن الله تعالى أمرهم بعبادته وحده وترك عبادة غيره ، وأنه تعالى أرسله إليهم رسولا وأمرهم بطاعته إنقاذا لهم من الباطل الذي هم فيه فإذا أرتد وعاد هو ومن معه من المؤمنين إلى ملة الشرك كان موقفهم موقف من كذب على الله تعالى بأنه قال كذا وكذا والله عزوجل لم يقل. هذا ثم قال شعيب (وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها) ليس من الممكن ولا من المتهيء لنا العودة في ملتكم أبدا ، اللهم إلا أن يشاء (٤) ربنا شيئا فإن مشيئته نافذة في خلقه ، وقوله : (وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) فإذا كان قد علم أنا نرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله ، فسوف يكون ما علمه كما علمه وهو الغالب على أمره.
__________________
(١) (أَوْ لَتَعُودُنَ) : إمّا أن يراد به أتباع شعيب المؤمنون إذ كانوا قبل إيمانهم على دين قومهم وإمّا أن يراد بكلمة (لَتَعُودُنَ) : لتصيرنّ إذ تكون عاد بمعنى : صار.
(٢) الاستفهام للتعجب والاستبعاد.
(٣) هذا أسلوب الإياس لهم من العودة إلى دينهم الباطل.
(٤) هذا الاستثناء كان من شعيب تأدبا مع الله تعالى بتفويض الأمر إلى مشيئته وعودة غيره من أمته ممكنة ولكن عودته هو مستحيلة.