رسالته وأحقية دعوته. وقوله تعالى (فَظَلَمُوا بِها) (١) أي جحدوها ولم يعترفوا بها فكفروا بها وبذلك ظلموا أنفسهم بسبب كفرهم بها ، واستمروا على كفرهم وفسادهم حتى أهلكهم الله تعالى بإغراقهم ، ثم قال لرسوله (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) أي دمارا وهلاكا وهي عاقبة كل مفسد في الأرض بالشرك والكفر والمعاصي. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (١٠٣) وأما الآيات بعدها فإنها في تفصيل أحداث هذا القصص العجيب. وأتى موسى فرعون وقال (يا فِرْعَوْنُ (٢) إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ ، حَقِيقٌ) أي جدير وخليق بي (أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ ، قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) دالة على صدقي شاهدة بصحة ما أقول (فَأَرْسِلْ (٣) مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ) لأذهب بهم إلى أرض الشام التى كتب الله لهم وقد كانت دار آبائهم. وهنا تكلم فرعون وطالب موسى بالآية التي ذكر أنه جاء بها فقال (إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) أي فيما تدعيه وتقول به وتدعوا إليه. وهنا ألقى موسى عصاه أي أمام فرعون المطالب بالآية (فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ) أي حية عظيمة تهتز أمام فرعون وملئه كأنها جان ، (٤) هذه آية وزاده أخرى فأدخل يده في جيبه كما علمه ربه ونزعها (فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ) بيضاء بياضا غير معهود مثله في أيدي الناس. هذا ما تضمنته هذه الآيات الخمس في هذا السياق.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ بيان سوء عاقبة المفسدين بالشرك والمعاصي.
٢ ـ تذكير موسى فرعون بأسلوب لطيف بأنه ليس ربا بل هناك رب العالمين وهو الله رب موسى وهرون والناس أجمعين.
__________________
(١) (فَظَلَمُوا بِها) أي : ظلموا أنفسهم بالتكذيب بالآيات ، وجائز أن يكون ظلموا بسببها غيرهم ممن منعوهم من الإيمان بها إذ هدّدوهم بالقتل وجائز أن يضمّن الظلم هنا معنى الكفر أي كفروا بها وهو صحيح المعنى.
(٢) فرعون : علم جنس لمن يملك مصر في القديم ككسرى : لكل من يملك فارسا وقيصر : لكل من يملك الروم ونمرود : لمن ملك الكنعانيين ، والنجاشي : للأحباش ، وتبع ، لحمير ونداء موسى له بقوله يا فرعون : فيه نوع احترام ، إذ ناداه بعنوان الملك والسلطان.
(٣) الفاء تفريعية أي : ما بعدها متفرّع عمّا قبلها.
(٤) الجانّ : هنا حية أكحل العينين تسكن البيوت لا تؤذى كثيرة التقلّب والاهتزاز.