معنى الآيات :
لا شك أن أفرادا من قريش أو من غيرهم سألوا النبي صلىاللهعليهوسلم عن الساعة متى قيامها فأخبره تعالى بسؤالهم وعلمه الجواب فقال عزوجل وهو يخاطب رسوله صلىاللهعليهوسلم (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها) (١) أي متى وقت وقعوها وقيامها؟ قل لهم (إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي) أي علم وقت قيامها عند ربي خاصة (لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها) أي لا يظهرها لأول وقتها إلا هو (ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي ثقل أمر علمها عند أهل السموات والأرض (لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) أي فجأة ، ثم قال له يسألونك هؤلاء الجهال عن الساعة (كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها) أي كأنك ملحف في السؤال مبالغ في طلب معرفتها حتى عرفتها ، قل لهم (إِنَّما عِلْمُها) (٢) (عِنْدَ اللهِ) خاصة ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ، ولذا هم يسألونه ، إذ إخفاؤه لحكم عالية لو عرفها الناس ما سألوا ولن يسألوا ولكن الجهل هو الذي ورطهم في مثل هذه الأسئلة وهذا ما دلت عليه الآية الأولى (١٨٧) أما الآية الثانية (١٨٨) فقد أمر تعالى رسوله أن يقول لأولئك السائلين عن الساعة متى وقت مجيئها (لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا) خيرا ولا شرا (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) شيئا من ذلك فإنه يعينني على جلبه أو على دفعه فكيف إذا أعلم وقت مجىء الساعة حتى تسألوني عنها (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ) (٣) كما تظنون لاستكثرت من الخيرات وما مسنى السوء. وذلك أني إذا عرفت متى الخصب ومتى الجدب ، ومتى الغلاء ومتى الرخاء يمكنني بسهولة أن استكثر من الخير عند وجوده ، وأتوقى الشر وأدفعه قبل حصوله ، يا قوم إنما أنا نذير بعواقب الشرك والمعاصي بشير بنتائج الإيمان والتوحيد والعمل الصالح فلست بإله أعلم الغيب ، ووظيفتي هذه صراحة هي البشارة والنذارة ينتفع بها المؤمنون خاصة وهو معنى قوله تعالى (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).
__________________
(١) (أَيَّانَ مُرْساها) : مرساها مبتدأ ، والخير أيّان ، وقدّم لأنه اسم استفهام له الصدارة ومعنى مرساها : مثبتها ، من قولهم أرسى كذا إذا أثبته ، أي : متى وقوعها.
(٢) أي علم الساعة إذ إخفاء علم الساعة كان لحكم عالية لو عرفها السائلون عن الساعة ما سألوا ولكنهم لجهلهم يسألون.
(٣) الغيب : قسمان ، حقيقي : وهو ما استأثر الله تعالى به ومن علّمه تعالى منه شيئا علمه. وإضافي : يعلمه بعض ويخفي عن بعض ، ومن ادعى علم الغيب فقد كذّب الله ونازعه فيما استأثر به فهو بذلك كافر.