(فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ) : أي إقامة دائمة لا يخرجون منها ولا يتحولون (١) عنها.
(وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) : أي رضوان الله الذي يحله عليهم أكبر من كل نعيم في الجنة.
معنى الآيتين :
بمناسبة ذكر المنافقين وبيان سلوكهم ونهاية أمرهم ذكر تعالى المؤمنين وسلوكهم الحسن ومصيرهم السعيد فقال (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ) أي المؤمنون بالله ورسوله ووعده ووعيده والمؤمنات بذلك (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) أي يوالي بعضهم بعضا محبة (٢) ونصرة وتعاونا وتأييدا (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) وهو ما عرفه الشرع حقا وخيرا من الإيمان وصالح الأعمال ، (وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) وهو ما عرفه الشرع باطلا ضارا فاسدا من الشرك وسائر الجرائم فالمؤمنون والمؤمنات على عكس المنافقين والمنافقات في هذا الأمر وقوله تعالى (وَيُقِيمُونَ) (٣) (الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) والمنافقون لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى فهم مضيعون لها غير مقيمن لها ، ويقبضون أيديهم فلا ينفقون ، والمؤمنون يطيعون الله ورسوله ، (٤) والمنافقون يعصون الله ورسوله ، المؤمنون سيرحمهمالله ، (٥) والمنافقون سيعذبهم الله ، (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) غالب سينجز وعده ووعيده (حَكِيمٌ) يضع كل شيء في موضعه اللائق به فلا يعذب المؤمنين وينعّم المنافقين بل ينعّم المؤمنين ويعذب المنافقين.
وقوله تعالى في الآية الثانية (٧٢) (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أي من خلال قصورها وأشجارها (خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ) أي قصورا طيبة في غاية النظافة وطيب الرائحة (فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ) (٦) أي إقامة ، وقوله (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ)
__________________
(١) قال تعالى من سورة الكهف : (لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً) أي : تحولا لأنّ نعيمها لا يمل ولا تتشوق النفس لغيره أبدا.
(٢) شاهده من السنة قوله صلىاللهعليهوسلم : (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) وشبّك بين أصابعه وقوله صلىاللهعليهوسلم في الصحيح : (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر).
(٣) يشمل اللفظ : الصلوات الخمس والنوافل كما شمل الزكوات المفروضة والصدقات إذ المدح يحصل بهما معا فرضا ونفلا.
(٤) أي : يؤدون الفرائض والسنن فعلا ويجتنبون المنهيات والمكروهات تركا.
(٥) السين في (سَيَرْحَمُهُمُ) للتأكيد وتحمل معنى الخوف والرجاء وهما جناحا المؤمنين لا يطيرون في سماء الكمالات إلا بهما.
(٦) شاهده في الصحيح قوله صلىاللهعليهوسلم : (جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلّا رداء الكبر على وجهه في جنة عدن) وقوله أيضا في الصحيح : (إنّ للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلا في السماء ، للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهن لا يرى بعضهم بعضا).