الله تعالى.
(بِما أَخْلَفُوا اللهَ) : أي بسبب إخلافهم ما وعدوا الله تعالى به.
(سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ) : أي ما يسرونه في نفوسهم ويخفونه ، وما يتناجون به فيما بينهم.
(عَلَّامُ الْغُيُوبِ) : يعلم كل غيب في الأرض أو في السماء.
معنى الآيات :
ما زال السياق في المنافقين وهم أصناف وهذا صنف (١) آخر منهم قد عاهد الله تعالى لئن أغناهم من فضله وأصبحوا ذوي ثروة ومال كثير ليصدقن منه ولينفقّنه في طريق البر والخير ، فلما أعطاهم الله ما سألوا وكثر مالهم شحوا به وبخلوا ، وتولوا عما تعهدوا به وما كانوا عليه من تقوى وصلاح ، وهم معرضون. فأورثهم هذا البخل وخلف الوعد والكذب (نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ) (٢) لا يفارقهم حتى يلقوا ربهم. هذا ما دل عليه قوله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ (٣) اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتاهُمْ (٤) مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ). أما الآية الأخيرة (٧٨) وهي قوله تعالى (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ؟؟) فإنها تضمنت توبيخ الله تعالى للمنافقين الذين عاهدوا الله وأخلفوه بموقفهم الشائن كأنهم لا يعلمون أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأنه تعالى علام الغيوب ، وإلا كيف يعدونه ويحلفون له أم يحسبون أن الله لا يسمع سرهم ونجواهم فموقفهم هذا موقف مخز لهم شائن ، وويل لهم حيث لازمهم ثمرته وهو النفاق حتى الموت وبهذا أغلق باب التوبة في وجوههم وهلكوا مع الهالكين.
__________________
(١) قال قتادة : هذا رجل من الأنصار قال : لئن رزقني الله شيئا لأدين فيه حقه ولأتصدقن فلما آتاه الله ذلك فعل ما قصّ عليكم فاحذروا الكذب فإنه يؤدي إلى الفجور.
(٢) (نِفاقاً) نكرة أي : نفاقا ما من نوع من أنواع النفاق وليس هو نفاق الكفر وإنّما هو نفاق العمل.
(٣) الآية صريحة ودلالتها واضحة في أنّ أحد أفراد المؤمنين سأل الله المال سواء بواسطة الرسول صلىاللهعليهوسلم كأن قال له ادع الله لي ، أو سأل بنفسه وقطع عهدا لربه بما ذكر في الآية ، ولما أخلف ما عاهد الله عليه أصيب بمرض النفاق في قلبه ـ والعياذ بالله تعالى ـ وهل هو ثعلبة بن حاطب أو غيره أما ثعلبة فقد شهد بدرا ، وأهل بدر ذكر لهم وعد عظيم ، فلا يصح أن يكون أحدهم وقع في هذه الفتنة وإن كان غيره فهو حق ، وجائز أن يكون هذا الغير اسمه ثعلبة فتشابه الاسم بالاسم فظن أنه البدري وليس هو والله أعلم. هذا والله إني لخائف من هذه الآية أن تنطبق عليّ فاللهم عفوك وغفرانك لي.
(٤) صيغة الجمع تدل على أن من عاهد الله لم يكن فردا واحدا بل كان جماعة ولذا قال الضحاك : إن الآية نزلت في رجال من المنافقين : نبتل بن الحارث والجد بن قيس ومعتب بن قشير إلّا أن قوله تعالى : (فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً) يتنافى مع كونهم منافقين ، إلّا أن يقال : زادهم نفاقا خلفهم هذا على نفاقهم الأول. والله أعلم.