وجل (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ) أي إثم (إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) (١) ومعنى النصح لله ورسوله طاعتهما في الأمر والنهي وترك الإرجاف والتثبيط والدعاية المضادة لله ورسوله والمؤمنين والجهاد في سبيل الله وقوله تعالى (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) أي ليس على من أحسنوا في تخلفهم لأنه أولا بعذر شرعي (٢) وثانيا هم مطيعون لله ورسوله وثالثا قلوبهم ووجوههم مع الله ورسوله وإن تخلفوا بأجسادهم للعذر فهؤلاء ما عليهم من طريق إلى انتقاصهم أو أذيتهم بحال من الأحوال ، كما ليس من سبيل (عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ) إلى الجهاد معك في سيرك (قُلْتَ) معتذرا إليهم (لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا) أي رجعوا إلى منازلهم وهم يبكون والدموع تفيض من أعينهم (٣) حزنا (أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ) في سيرهم معكم وهم نفر منهم العرباص بن سارية وبنو مقرن وهم بطن من مزينة. رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
هداية الآيتين
من هداية الآيتين :
١ ـ لا حرج على أصحاب الأعذار الذين ذكر الله تعالى في قوله (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) وفي هذه الآية (وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ) حرج وبشرط طاعة الله والرسول فيما يستطيعون والنصح (٤) لله والرسول بالقول والعمل وترك التثبيط والتخذيل والإرجاف من الإشاعات المضادة للإسلام والمسلمين.
__________________
(١) قال القرطبي : (نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) إذا عرفوا الحق وأحبّوا أولياءه وأبغضوا أعداءه ، ومع قبول أعذار أصحاب الأعذار فقد خرج ابن ام مكتوم إلى أحد وهو رجل أعمى ، وطلب أن يعطى الراية ليحملها ، وخرج عمرو بن الجموح وهو أعرج خرج إلى أحد فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (إنّ الله قد عذرك) فقال : والله لأحفرنّ بعرجتي هذه في الجنة.
(٢) روى أبو داود عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : (لقد تركتم بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا أنفقتم من نفقة ولا قطعتم من واد إلّا وهم معكم فيه ، قالوا : يا رسول الله وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة؟ قال : حبسهم العذر؟)
(٣) (حَزَناً) منصوب على أنه مفعول لأجله ، وجملة : (وَأَعْيُنُهُمْ) : حال من (تَوَلَّوْا).
(٤) النصح : إخلاص العمل من الغش يقال : نصح الشيء : إذا خلص ، ونصح له القول : أي أخلصه له. وفي صحيح مسلم عن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : (الدين النصيحة ـ ثلاثا ـ قلنا لمن يا رسول الله قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) ذكر القرطبي معاني هذه النصائح بالتفصيل عند تفسير هذه الآية فليرجع إليها من طلب ذلك.