إلى الإيمان والهجرة والنصرة والجهاد ، والذين اتبعوهم (١) في ذلك وأحسنوا أعمالهم فكانت موافقة لما شرع الله وبين رسوله محمد صلىاللهعليهوسلم ؛ الجميع رضي الله عنهم بإيمانهم وصالح أعمالهم ، ورضوا عنه بما أنالهم من إنعام وتكريم ، وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا أي وبشرهم بما أعد لهم من جنات وقوله (ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) أي ذلك المذكور من رضاه تعالى عنهم ورضاهم عنه وإعداد الجنة لهم هو الفوز العظيم ، والفوز السلامة من المرهوب والظفر بالمرغوب فالنجاة من النار ودخول الجنة هو الفوز العظيم ، هذا ما دلت عليه الاية الأولى (١٠٠) وأما الآية الثانية فقد تضمنت الإخبار بوجود منافقين في الأعراب (٢) حول المدينة ، ومنافقين في داخل المدينة ، إلا أنهم لتمرسهم وتمردهم في النفاق أصبحوا لا يعرفون ، لكن الله تعالى يعلمهم هذا معنى قوله تعالى (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا (٣) عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) ، وقوله تعالى (سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ) وعيد لهم نافذ فيهم لا محالة وهو أنه تعالى سيعذبهم في الدنيا مرتين مرة بفضحهم أو بما شاء من عذاب ومرة في قبورهم ، ثم بعد البعث يردهم إلى عذاب النار وهو العذاب العظيم ، وقوله تعالى في الآية الثالثة (١٠٢) (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً) (٤) هؤلاء أناس آخرون تخلفوا عن الجهاد بغير عذر وهم أبو لبابة ونفر معه ستة أو سبعة أنفار ربطوا أنفسهم في سواري المسجد لما سمعوا ما نزل في المتخلفين وقالوا لن نحل أنفسنا حتى يحلنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم خلطوا عملا صالحا وهو إيمانهم وجهادهم وإسلامهم وعملا سيئا وهو تخلفهم عن غزوة تبوك بغير عذر ، فقوله تعالى (عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) إعلامهم بتوبة الله تعالى عليهم فجاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم فحل رباطهم وقالوا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم هذه أموالنا التي خلفتنا عنك خذها فتصدق بها واستغفر لنا فقال ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا.
__________________
(١) التابعون : جمع تابع أو تابعي ، وهم الذين صحبوا الصحابة ، وأكبر التابعين : الفقهاء السبعة وهم : سعيد بن المسيب ، والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير ، وخارجة بن زيد ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وعبد الله بن عتبة بن مسعود ، وسليمان بن يسار. وكلهم من المدينة النبوية وأفضل نساء التابعين حفصة بنت سيرين وعمرة بنت عبد الرحمن وأم الدرداء.
(٢) الأحياء الذين كانوا حول المدينة هم : مزينة وجهينة وأسلم ، وغفار وأشجع ولحيان وعصيّة وكان منهم منافقون.
(٣) يقال : مرد على الأمر : إذا مرن عليه ودرب به ، ومنه الشيطان المارد سئل حذيفة عن المنافقين فأخبر أنهم اثنا عشر. ستة ماتوا بالدبيلة وأربعة ماتوا موتا عاديا.
(٤) (خَلَطُوا) يريد خلطوا حسنات أعمالهم الصالحة بسيئات التخلف عن الغزو والإنفاق في الجهاد والسير مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى تبوك. وعسى : فعل رجاء وهي في كلام الله تعالى كناية عن وقوع المرجو لا محالة.