(كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) (١) : أي كأن لم تكن موجودة غانية بالأمس.
(نُفَصِّلُ الْآياتِ) : أي نبينها.
(وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) (٢) : دار السّلام : الجنة والله يدعو إليها عباده ليأخذوا بالأهبة لدخولها وهي الإيمان والعمل الصالح وترك الشرك والمعاصي.
معنى الآيتين :
ما زال السياق الكريم يعرض الهدايات الإلهية على الناس لعلهم يهتدون ففي هذه الآية يضرب تعالى (٣) مثلا للحياة الدنيا التي يتكالب الغافلون عليها ويبيعون آخرتهم بها فيكذبون ويظلمون من أجلها إنما مثلها في نضارتها الغارة بها وجمالها الخادعة به كمثل ماء نزل من السماء فاختلط بالماء نبات الأرض فسقى به ونما وازدهر وأورق وأثمر وفرح به أهله وغلب على ظنهم أنهم منتفعون به فائزون به وإذا بقضاء الله فيه تأتيه فجأة في ساعة من ليل أو نهار فإذا هو حصيد ليس فيه ما هو قائم على ساق ، هشيم تذروه الرياح كأن لم لم يغن بالأمس أي كأن لم يكن موجودا أمس قائما يعمر مكانه أتاه أمر الله لأن أهله ظلموا فعاقبهم بجائحة أفسدت عليهم زرعهم فأمسوا يائسين حزينين. هذه الصورة المثالية للحياة الدنيا فهلا يتنبه الغافلون أمثالي!! أو هلا يستيقظ النائمون من حالهم كحالي؟؟
وقوله تعالى في الآية الثانية (٢٥) (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) (٤) أي بترك الشرك والمعاصي والإقبال على الطاعات والصالحات ودار السّلام الجنة إذ هي الخالية من الكدر والتنغيص فلا مرض ولا هرم ، ولا موت ولا حزن. ودعاة الضلالة يدعون إلى الدنيا
__________________
(١) كأن لم تكن عامرة يقال غني بالمكان إذا قام به وعمره والمغاني المنازل التي يعمرها الناس قال لبيد
وغنيت سبتا قبل مجرى داحس |
|
لو كان للنفس اللجوج خلود. |
(٢) وقيل المعنى والله يدعو إلى دار السّلام إذ السّلام والسلامة بمعنى كالرضاعة والرضاع قال الشاعر :
تحيي بالسلامة أم بكر |
|
وهل لك بعد قومك من سلام |
(٣) المثل الصفة وعليه فصفة الحياة الدنيا المنطبقة عليها أنها في سرعة انقضائها وزوال نعيمها بعد البهجة والنضرة الحسنة كنبات أخضر وازدهر ثم يبس فصار هشيما تذروه الرياح.
(٤) روي أن النبي صلىاللهعليهوسلم خرج يوما على أصحابه فقال رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي وميكائيل عند رجلي فقال أحدهما لصاحبه : اضرب له مثلا فقال له اسمع سمعت أذناك واعقل عقل عقلك انما مثلك ومثل أمتك كمثل ملك اتخذ دارا ثم بنى فيها بيتا ثم جعل فيها مأدبة ثم بعث رسولا يدعو الناس إلى طعامه فمنهم من أجاب الرسول ومنهم من تركه فالله الملك والدار الإسلام والبيت الجنة وأنت يا محمد الرسول فمن أجابك دخل في الإسلام ومن دخل في الإسلام دخل الجنة ثم تلا : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) إلى قوله (مُسْتَقِيمٍ).