دُونِ اللهِ) فمجرد شككم في صحة ديني لا يجعلني أعبد أوثانا وأصناما لا تنفع ولا تضر ، (وَلكِنْ أَعْبُدُ اللهَ) الذي ينفع ويضر ، يحيى ويميت ، الله الذي يتوفاكم أي يميتكم بقبض أرواحكم فهو الذي يجب أن يعبد ويخاف ويرهب (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي أمرني ربي أن أومن به فأكون من المؤمنين فآمنت وأنا من المؤمنين. وقوله تعالى : (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أي وأوحى إليّ ربي آمرا إياي بأن أقيم وجهي لدينه (١) الحق فلا ألتفت إلى غيره من الأديان الباطلة ، ونهاني مشددا علي أن أكون من المشركين الذين يعبدون معه آلهة أخرى بعد هذا الإعلان العظيم والمفاصلة الكاملة والتعريض الواضح بما عليه أهل مكة من الضلال والخطأ الفاحش ، واجه الله تعالى رسوله بالخطاب وهو من باب «إياك أعني واسمعي يا جاره» فنهاه بصريح القول أن يدعو من دون الله ما لا ينفعه ولا يضره وهو كل المعبودات ما سوى الله عزوجل فقال : (وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكَ) أي لا يجلب لك نفعا ولا يدفع عنك ضرا ، ولا يضرك بمنع خير عنك ، ولا بإنزال شر بك فإن فعلت بأن دعوت غير الله فإنك إذا من الظالمين ، ولما كان دعاء النبي غير الله ممتنعا فالكلام إذا تعريض بالمشركين وتحذير للمؤمنين ، وقوله تعالى : في خطاب رسوله : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ) (٢) عنك (إِلَّا هُوَ) عزوجل ، (وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ) من الخيور عافية وصحة رخاء ونصر (فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ) أي ليس هناك من يرده عنك بحال من الأحوال ، وقوله : (يُصِيبُ) (٣) أي بالفضل والخير والنعمة (مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) إذ هو الفاعل المختار ، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، وقوله : (وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) بيان لصفات الجلال والكمال فيه فإنه تعالى يغفر ذنوب التائبين إليه مهما بلغت في العظم ، ويرحم عباده المؤمنين مهما كثروا في العدد ، وبهذا استوجب العبادة بالمحبة والتعظيم والطاعة والتسليم.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ على المؤمن أن لا يترك الحق مهما شك وشكك فيه الناس.
__________________
(١) الأمر بإقامة الوجه لله كناية عن توجه النفس والإقبال بها على الله تعالى فلا تلتفت راغبة ولا راهبة إلى غير الله تعالى ، وهذا كإسلام الوجه لله تعالى في آية : (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) ولازمه ترك كل دين إلى دين الله عزوجل.
(٢) تنكير ضرّ ، كتنكير خير يراد به النوعية الصالحة للقلة والكثرة.
(٣) يقال : أصابه بكذا : إذا أورده عليه ومسّه به.