(يا أَيُّهَا النَّاسُ) وهو نداء عام يشمل البشرية كلها وإن أريد به ابتداء أهل مكة (قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) وهو القرآن يتلوه رسول الله وفيه بيان الدين الحق الذي لا كمال للإنسان له إلا بالإيمان به والأخذ الصادق بما تضمنه من هدى. وبعد فمن اهتدى بالإيمان والاتباع فإنما ثواب هدايته لنفسه إذ هي التي تزكو وتطهر وتتأهل لسعادة الدارين ، ومن ضل بالإصرار على الشرك والكفر والتكذيب فإنما ضلاله أي جزاء ضلاله عائد على نفسه إذ هي التي تتدسّى وتخبث وتتأهل لمقت الله وغضبه وأليم عقابه. وما على الرسول المبلغ من ذلك شيء ، إذ لم يوكل إليه ربه هداية الناس بل أمره أن يصرح لهم بأنه ليس عليهم بوكيل (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) (١) وقوله تعالى : (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ) (٢) أمر للنبي صلىاللهعليهوسلم بالتزام الحق باتباع ما يوحى إليه من الأوامر والنواهي وعدم التفريط في شيء من ذلك ، ولازم هذا وهو عدم اتباع ما لا يوحى إليه به ربه وقوله : (وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ (٣) وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) أمر للنبي صلىاللهعليهوسلم بالصبر على اتباع الوحي والثبات على الدعوة وتحمل الأذى من المشركين إلى غاية أن يحكم الله فيهم وقد حكم فأمره بقتالهم فقتلهم في بدر وواصل قتالهم حتى دانوا لله بالإسلام ولله الحمد والمنّة ، وقوله (وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) (٤) ثناء على الله تعالى بأنه خير من يحكم وأعدل من يقضي لكمال علمه وحكمته ، وعظيم قدرته ، وواسع رحمته.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ تقرير أن القرآن والرسول حق والإسلام حق.
__________________
(١) هذه الجملة داخلة ضمن الإعلان ، وهي أن يعلم أهل مكة والناس من حولهم أن الرسول المبلّغ الإسلام لهم غير موكل بهدايتهم وأنّ أمر ذلك متروك لهم ، فمن شاء اهتدى ، ومن شاء ضلّ ، وما عليه إلا البلاغ. وقد بلّغ.
(٢) هذا ارشاد للرسول صلىاللهعليهوسلم بأن يلزم المنهج الذي وضعه له بطريق الوحي ولا يخرج عنه بحال فإنه سبيل نجاته ونجاة المؤمنين معه.
(٣) هذا إرشاد آخر له صلىاللهعليهوسلم بالصبر على إبلاغ أهل مكة ومن حولهم دعوة الله حتى يحكم الله بينه وبينهم بنصر رسوله والمؤمنين ، وخذلان الكفر والكافرين.
(٤) خير هنا بمعنى أخير اسم تفضيل ، وإنما عدل عن أخير إلى خير لكثرة الاستعمال كاسم شرّ أيضا ، وقد يأتي لفظ شر وخير لغير تفضيل.