يعقوب لأبيه يعقوب (يا أَبَتِ) (١) أي يا أبي (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً) أي من كواكب السماء (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) (٢) أي نزلوا من السماء وسجدوا له تحيّة وتعظيما. وسيظهر تأويل هذه الرؤيا بعد أربعين سنة حيث يجمع الله شمله بأبويه وإخوته الأحد عشر ويسجد الكل له تحيّة وتعظيما. وقوله تعالى (قالَ يا بُنَيَ) أي قال يعقوب لولده يوسف (لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ) (٣) وهم إخوة له من أبيه دون أمه (فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً) أي يحملهم الحسد على أن يكيدوك بما يضرك بطاعتهم للشيطان حين يغريهم بك (إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) إذ أخرج آدم وحواء من الجنة بتزيينه لهما الأكل من الشجرة التي نهاهما الله تعالى عن الأكل منها. وقوله (وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ) وكما أراك ربك الكواكب والشمس والقمر ساجدين لك يجتبيك أي يصطفيك له لتكون من عباده المخلصين.
وقوله (وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) أي ويعلمك معرفة ما يؤول إليه أحاديث الناس ورؤياهم (٤) المنامية ، ويتم نعمته عليك بالنبوة وعلى آل يعقوب أي أولاده. (كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ) اسحق جد يوسف الأدنى وابراهيم جده الأعلى حيث أنعم عليهما بانعامات كبيرة أعظمها النبوة والرسالة ، وقوله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ) أي بخلقه (حَكِيمٌ) أي في تدبيره فيضع كل شيء في موضعه فيكرم من هو أهل للاكرام ، ويحرم من هو أهل للحرمان.
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
١ ـ ثبوت الرؤيا شرعا ومشروعية تعبيرها. (٥)
__________________
(١) في يا أبت لغات كسر التاء وفتحها وضمها ، والأصل يا أبي فزيدت التاء عوضا عن الياء فلذا لا يجمع بينهما فلا يقال يا أبتي.
(٢) ساجدين جمع ساجد وهو للعاقل ، والشمس والقمر والنجوم من غير العقلاء. فلم ما قال ساجدة؟ والجواب لما كان السجود وهو طاعة لا يصدر إلا من عاقل ذكر الفعل فقال ساجدين
(٣) الرؤيا ما يراه المرء في منامه من أمور وأحوال ، وهي ثلاثة أنواع لقوله صلىاللهعليهوسلم الرؤيا ثلاثة منها أهاويل الشيطان ليحزن ابن آدم ، ومنها ما يهتم به في يقظته فيراه في منامه ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة وقال صلىاللهعليهوسلم الرؤيا من الله والحلم من الشيطان.
(٤) قيل لمالك أيعبر الرؤيا كل أحد؟ فقال : بالنبوة تلعب؟ لا يعبر الرؤيا إلا من يحسنها فإن رأى خيرا أخبر به وان رأى مكروها فليقل خيرا أو ليصمت.
(٥) روى البخاري عن ابي قتادة أنه قال كنت أرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : الرؤيا الحسنة من الله فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها وليتفل ثلاث مرات ولا يحدث بها أحدا فإنها لن تضره) وروى : (أن الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبّر فإذا عبرت وقعت).