الغريزة الجنسية لا سيما إذا طالت المدة ، وأمن الخوف وقلت التقوى حتى راودته بالفعل عن نفسه أي طلبت منه نفسه ليواقعها بعد أن اتخذت الأسباب المؤمّنة حيث غلّقت أبواب الحجرة والبهو والحديقة ، وقالت تعال إليّ. وكان رد يوسف على طلبها حازما قاطعا للطمع وهذا هو المطلوب في مثل هذا الموقف قال تعالى مخبرا عما جرى في القصر حيث لا يعلم أحد من الناس ما جرى وما تم فيه من أحداث. (وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ (١) الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ (٢) لَكَ قالَ مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ). إنها بعد أن اتخذت كل ما يلزم للحصول على رغبتها منه أجابها قائلا (إِنَّهُ رَبِّي (٣) أَحْسَنَ مَثْوايَ) يريد العزيز أحسن إقامتي فكيف أخونه في أهله. وفي نفس الوقت أن سيده الحق الله جل جلاله قد أحسن مثواه بما سخّر له فكيف يخونه فيما حرم عليه. وقوله إنه لا يفلح الظالمون تعليل ثان فالظالم بوضع الشيء في غير موضعه يخيب في سعيه ويخسر في دنياه وأخراه فكيف أرضى لنفسي ولك بذلك وقوله تعالى (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) (٤) أي همت بضربه لامتناعه عن إجابتها لطلبها بعد مراودات طالت مدتها ، وهم هو بها أي بضربها دفعا لها عن نفسه إلا إنه أراه الله برهانا في نفسه فلم يضربها وآثر الفرار إلى خارج البيت ، ولحقته تجري وراءه لترده خشية أن يعلم أحد بما صنعت معه. واستبقا الباب هو يريد الخروج وهي تريد رده إلى البيت خشية الفضيحة وأخذته من قميصه فقدته أى شقته من دبر أي من وراء لأنه أمامها وهي وراءه. وقوله تعالى : (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ) (٥) أي هكذا نصرف عن يوسف السوء فلا يفعله والفحشاء فلا يقربها ، وعلل لذلك بقوله إنه من عبادنا المخلصين أي الذين استخلصناهم لعبادتنا ومحبتنا فلا نرضى لهم أن يتلوثوا بآثار الذنوب والمعاصي. وقوله تعالى (وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ) (٦) أي ووجدا زوجها عند الباب جالسا في حال هروبه منها
__________________
(١) أي أحكمت إغلاقها متحققة من ذلك وقد قيل إنها سبعة أبواب يقال غلق الباب وأغلقه وإذا أريد الكثرة قيل غلّق الأبواب.
(٢) أي هلم وأقبل وتعال ولا مصدر له ولا تصريف. كأنه اسم فعل أمر بمعنى أقبل وتعال وفيه سبع قراءات أفصحها وأجلها هيت لك بفتح الهاء وسكون الياء وفتح التاء ونظيرها هيت بكسر الهاء وفتح التاء وهي قراءة نافع وروي أن عكرمة قال إنها لغة عربية تدعو بها إلى نفسها. قال الجوهري يقال هرّت وهيّت به إذا صاح به ودعاه. قال الشاعر :
قد رابني أن الكرىّ أسكتا |
|
لو كان معنيا بها لهيّتا |
(أي لصاح) ، وقال آخر : يحدو بها كل فتى هيّات
(٣) يعني بقوله ربي زوجها أي سيده.
(٤) جواب (لَوْ لا) محذوف لعلم السامع به وتقديره لضربها أو لكان ما كان.
(٥) السوء هو ضرب وقدم في الذكر عن الفحشاء لأنه الحادث الأخير وأما الفحشاء فكانت قبل.
(٦) في عرف لغتهم إطلاق السيد على الزوج.