بأنه يعرف تعبير الرؤيا فعندئذ قالا هيا نجربه فندعي (١) أنا رأينا كذا وكذا وسألاه فأجابهما بما أخبر تعالى به في هذه الآيات : (قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ (٢) أَنْ يَأْتِيَكُما) واللفظ محتمل لما يأتيهما في المنام أو اليقظة وهو لما علمه الله تعالى يخبرهما به قبل وصوله إليهما وبما يؤول إليه. وعلل لهما مبيّنا سبب علمه هذا بقوله (ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي (٣) تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) وهم الكنعانيون والمصريون إذ كانوا مشركين يعبدون الشمس وغيرها ، تركت ملة الكفر واتبعت ملة الإيمان بالله واليوم الآخر ملة آبائي ابراهيم واسحق ويعقوب ، ثم واصل حديثه معهما دعوة لهما إلى الإيمان بالله والدخول في الإسلام فقال (ما كانَ لَنا) أي ما ينبغي لنا أن نشرك بالله من شيء فنؤمن به ونعبده معه ، ثم أخبرهما أن هذا لم يكن باجتهاد منهم ولا باحتيال ، وإنما هو من فضل الله تعالى عليهم ، فقال ذلك من فضل الله علينا ، (٤) وعلى الناس إذ خلقهم ورزقهم وكلأهم ودعاهم إلى الهدى وبيّنه لهم ولكن أكثر الناس لا يشكرون (٥) فهم لا يؤمنون ولا يعبدون.
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
١ ـ دخول يوسف السجن بداية أحداث ظاهرها محرق وباطنها مشرق.
٢ ـ دخول السجن ليس دائما دليلا على أنه بيت المجرمين والمنحرفين إذ دخله صفي لله تعالى يوسف عليهالسلام.
٣ ـ تعبير الرؤى تابع لصفاء الروح وقوة الفراسة وهي في يوسف علم لدني خاص.
٤ ـ استغلال المناسبات للدعوة إلى الله تعالى كما استغلها يوسف عليهالسلام.
٥ ـ وجوب البراءة من الشرك وأهله.
٦ ـ اطلاق لفظ الآباء على الجدود إذ كل واحد هو أب لمن بعده.
__________________
(١) روي أنه قال لهما : فما رأيتما؟ فقال الخباز : رأيت كأنّي اختبزت في ثلاثة تنانير وجعلته في ثلاث سلال فوضعته على رأسي فجاء الطير فأكل منهن ، وقال الآخر رأيت كأني أخذت ثلاثة عناقيد من عنب أبيض فعصرتهن في ثلاث أوان ، ثمّ صفيته فسقيت الملك كعادتي فيما مضى هذا معنى قوله : (إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً).
(٢) أي : بتفسيره في اليقظة ، فقالا له : هذا من فعل العرّافين والكهنة فردّ عليهما قائلا : (ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي)
(٣) لمّا ردّ عليهما بقوله : (ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) علّل له بقوله : (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ.).
(٤) إذ جعلنا أنبيّاء ورسلا ندعوا الناس إلى عبادة ربهم ، وتوحيده فيها ليكملوا عليها ويسعدوا في الدارين.
(٥) أي : لا يعرفون نعمة الله تعالى عليهم بإرسال الرسل إليهم مبشرين ومنذرين فلذا هم لا يعبدون الله ولا يوحدونه فيها.