السّلام ، إذ قال لما طلب إلى الملك أن يحقق في قضية النسوة اللاتي قطعن أيديهن وامرأة العزيز وتم التحقيق بالإعلان عن براءة يوسف مما اتهم به قال ذلك ، أي فعلت ليعلم العزيز أني لم أخنه بالغيب ، وأن الله لا يهدي كيد الخائنين. وهضما لنفسه من جهة ومن جهة أخرى فقد همّ بضرب زليخا كما تقدم ، قال : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) وعلل لذلك فقال (إِنَّ النَّفْسَ) أي البشرية (لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي) (١) إلا نفسا رحمها ربي بتوفيقها إلى تزكيتها وتطهيرها بالإيمان وصالح الأعمال فإنها تصبح نفسا مطمئنة تأمر بالخير وتنهى عن الشر ، (٢) وقوله : (إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) ذكر هذه الجملة تعليلا لقوله : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) فذكر وإن حصل منيّ هم بضرب وهو سوء فإني تبت إلى الله ، والله غفور أي يعفو ويصفح فلا يؤاخذ من تاب إليه ويرحمه فإنه رحيم بالمؤمنين من عباده. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٥٣) أما الآية الثانية (٥٤) والثالثة (٥٥) فقد تضمنت استدعاء الملك ليوسف وما دار من حديث بينهما إذ قال تعالى : (وَقالَ الْمَلِكُ) الريان بن الوليد (ائْتُونِي بِهِ) أي بيوسف بعد أن ظهر له علمه وكماله الروحي (أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي) أي أجعله خالصا لي استشيره في أمري واستعين به على مهام ملكي وجاء يوسف من السجن وجلس إلى الملك وتحدث معه وسأله عن موضوع سني الخصب والجدب فأجابه بما أثلج صدره من التدابير الحكيمة السديدة وهنا قال له ما أخبر تعالى به قال له : (إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ) أي ذو مكانة عندنا تمكنك من التصرف في البلاد كيف تشاء أمين على كل شيء عندنا فأجابه يوسف بما أخبر به تعالى بقوله : (قالَ اجْعَلْنِي (٣) عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ) أي أرض مصر ومعنى هذا أنه حل محل العزيز الذي قد مات في تلك الأيام. وعلل لطلبه وزارة المال والاقتصاد بقوله : (إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) أي حفيظ على ما أتولى تدبيره عليم بكيفية الإدارة وتدبير الشؤون. وقوله تعالى في الآية الرابعة (٥٦) : (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ) أي بمثل هذه الأسباب
__________________
(١) (ما رَحِمَ) ما : بمعنى : من ، وهي شائعة الاستعمال ، من ذلك : فانكحوا ما طاب لكم. أي : من طبن لكم من النساء.
(٢) وبذلك يتمّ عصمتها بإذن الله تعالى.
(٣) قال بعض أهل العلم : في الآية دليل على جواز عمل الرجل الصالح للرجل الكافر أو الفاجر إذا كان ذلك لا يضرّ بدينه. وهو كذلك ، وفيها دليل على جواز ذكر طالب العمل كفاءته العلمية حتى يسند إليه العمل على أن يكون صادقا في ذلك. وليس هذا من باب : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) ولا هو من باب طلب الإمارة حيث قال الرسول صلىاللهعليهوسلم : «لن نستعمل على عملنا هذا من أراده» رواه مسلم.