محمد صلىاللهعليهوسلم : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) (١) أي من أخبار الغيب (نُوحِيهِ إِلَيْكَ) أي نعلمك به بطريق الوحي (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ) ويؤكد وحيه إليه بذلك فيقول ، وما كنت لدى إخوة يوسف فى الوقت الذي أجمعوا فيه أمرهم على التخلص من يوسف بأي ثمن وهم يحتالون على إخراجه من بين يدي أبويه ليلقوه في غيابة الجب تخلصا منه حيث رأوا أنه حجب عنهم وجه أبيهم وذهب بعطفه وحنانه دونهم. وقوله تعالى : (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) (٢) يخبره تعالى أن الإيمان بك وبما جئت به من الوحي والتوحيد والبعث الآخر مثل هذا القصص كاف في التدليل على صحة نبوتك وعلى وجوب الإيمان بما جئت به وتدعو إليه ومع هذا فأكثر الناس ولو حرصت على إيمانهم ما هم بمؤمنين ، ولذلك عوامل من أبرزها أن الإيمان يتعارض مع ما ألفوا من الباطل والشر والفساد ، لا سيما شهواتهم وأغراضهم الدنيوية ومن قبل ذلك أن من كتب الله شقاءه لا يؤمن بحال ، ولذا فلا تحزن ولا تكرب ، وقوله تعالى : (وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) (٣) أي على هذا القرآن وإبلاغه إليهم من مال إذ لو كنت سائلهم أجرا على قراءتك عليهم وإبلاغك لهم لكان ذلك مانعا من قبول ما تدعوهم إليه ، ولكن ما دام ذلك يقدم لهم مجانا فلا معنى لعدم إيمانهم إلا ما كتب الله من خسرانهم فهم عاملون للوصول إليه.
وقوله تعالى : (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) أي ما هذا القرآن وما يحمله من هدى ونور وقراءتك له إلا ذكرى أي موعظة يتعظ بها من يسمعها من أهل البصيرة والإيمان من العالمين ممن هيأهم الله تعالى للسعادة والكمال ، وقوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي (٤) السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي وكثير من الآيات الدالة على الله وعلى وجوب عبادته وتوحيده فيها
__________________
(١) هذا الكلام تذييل للقصة بعد انتهائها. إتماما للفائدة منها ، والغيب ما غاب عن علم الناس ، وأصل الغيب مصدر غاب يغيب غيبا ، فسمي به الشيء الغائب
(٢) في الآية تسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم إذا آلمه عدم إيمان قريش بعد أن سألوه عن هذه القصة ليؤمنوا فلمّا قصها عليهم لم يؤمنوا فآلمه ذلك.
(٣) (مِنْ) صلة لتقوية النفي.
(٤) أصل : (كَأَيِّنْ) : أي. فدخلت عليها كاف التشبيه ، وبنيت معها فصار معناها (كم) قال القرطبي : قد يقع في هذا القول والذي قبله كثير من عوام الناس ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.