(تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) : عتقها من الرق القائم بها.
(يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ) : المتضمنة لأحكام دينه من واجب وحلال وحرام.
معنى الآيات :
الآيتان الأولى (٨٧) والثانية (٨٨) نزلتا في بعض (١) الصحابة منهم عبد الله بن مسعود وعثمان بن مظعون وغيرهما كانوا قد حضروا موعظة وعظهم إياها رسول الله صلىاللهعليهوسلم فزهدوا في الدنيا ورغبوا في الآخرة. وعزموا على التبتل والانقطاع عن الدنيا فأتوا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وسألوها عن صلاة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقيامه فكأنهم تقالّوا ذلك فقال أحدهم : أنا لا آتي النساء ، وقال آخر : أنا أصوم لا أفطر الدهر كله وقال آخر : أنا أقوم فلا أنام ، فبلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم فخطب الناس ، وقال : «ما بال أقوام يقولون كذا وكذا وإني وأنا رسول الله لآكل اللحم ، وأصوم وأفطر وأصلي وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني» ونزلت هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ (٢) ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) من طعام وشراب ونساء ، (وَلا تَعْتَدُوا) بمجاوزة (٣) ما أحل لكم إلى ما حرم عليكم فإن الله تعالى ربكم (لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً) أما الحرام فلا يكون رزقا لكم ، (وَاتَّقُوا اللهَ) أي خافوه بترك الغلوّ والتنطع المفضى بكم إلى الترهب ولا رهبانية في الإسلام. (الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) أي ربا يشرع فيحلل ويحرم ، وإلها يطاع ويعبد ، هذا ما دلت عليه الآيتان الأولى والثانية أما الآية الثالثة وهي قوله تعالى : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ) فقد نزلت لما قال أولئك الرهط من أصحاب الرسول صلىاللهعليهوسلم : (لقد حلفنا على ما عزمنا عليه من التبتل فماذا نصنع بأيماننا) فبين لهم تعالى ما يجب عليهم في أيمانهم لما حنثوا فيها بعدولهم عما حلفوا عليه فقال : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ) وهو ما لا قصد للحلف فيه وإنما جرى لفظ اليمين على اللسان فقط نحو : لا والله أو بلى والله ، ومثله أن
__________________
(١) أخرج البخاري عن أنس قال : جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم يسألون عن عبادته فلمّا أخبروا كأنّما تقالّوها فقالوا : وأين نحن من النبي صلىاللهعليهوسلم قد غفر الله له من ذنبه ما تقدّم وما تأخّر ، فقال أحدهم أمّا أنا فإني أصلي الليل أبدا وقال آخر أمّا أنا فأصوم الدهر ولا أفطر وقال آخر أمّا أنا فأعتزل النساء ولا أتزوج ابدا فجاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إنّي لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني».
(٢) قالت العلماء هذه الآية وما شابهها والأحاديث الواردة في معناها تردّ على غلاة المترهبين وأهل البطالة من المتصوفين ، وقال الطبري لا يجوز لمسلم تحريم شيء مما أحلّ الله لعباده المؤمنين على نفسه من الطيبات.
(٣) إذا حرّم العبد على نفسه شيئا لا يحرم عليه إلّا امرأته فإنّها تحرم عليه بالطلاق.