نيسابور
مدينة من مدن خراسان ، ذات فضائل حسنة وعمارة ، كثيرة الخيرات والفواكه والثمرات ، جامعة لأنواع المسرّات ، وعتبة الشرق ، ولم يزل القفل ينزل بها. وانّها كانت مجمع العلماء ومعدن الفضلاء. وكان عمرو بن الليث الصفّار يقول : أقاتل على بلدة حشيشها الريباس ، وترابها البقل ، وحجرها الفيروزج.
وإنّما قال ذلك لأن بها ريباسا ليس في جميع الأرض مثله ، قد يكون واحدها خمسة أرطال وأكثرها رطلان أو ثلاثة. وهي صادقة البياض كأنّها الطلع ، وإنّما عنى بالبقل الطين المأكول الذي لا يوجد مثله في جميع الأرض. يحمل إلى أداني الأرض وأقاصيها لتحفة الملوك ، وربّما بيع رطل منه بمصر بدينار واحد ، وبالغ محمّد بن زكرياء في خواصّ هذا الطين ومنافعه. وقال أبو طالب المأموني :
خذ لي من البقل فذاك الذي |
|
منها خلقنا وإليها نصير |
كأنّه للعين لمّا بدا |
|
أحجار كافور عليها عبير |
وبها معادن الفيروزج. ذكروا أن تلك المعادن آبار ظهر فيها العقارب فامتنع الناس عنها ، ولمّا دخلها إسماعيل بن أحمد الساماني ، وكان ملكا عادلا ، قال : يا لها من مدينة لو لم يكن بها عيبان! قيل : ما هما؟ قال : كان ينبغي أن تكون مياهها التي في باطن الأرض على ظاهرها ، ومشايخها الذين على ظاهرها في باطنها.
وكانت نيسابور من أحسن بلاد الله وأطيبها. خرج الغزّ على السلطان سنجر ابن ملكشاه السلجوقي ، وكسروه وأسروه وبعثوا جمعا إلى مدينة نيسابور ، وذلك في سنة ثمان وأربعين وخمسمائة ، فقاتلهم أهل نيسابور أشدّ القتال لأنّهم كانوا كفّارا نصارى ، فجاءهم ملك الغزّ وحاصرهم حتى استخلصها عنوة ، وقتلوا كلّ من وجدوه وخربوها وأحرقوها ، فانتقل الناس إلى الشاذياخ وعمروها