وسوّروها حتى بقيت مدينة طيّبة أحسن من المدينة الأولى ، وصارت المدينة الأولى متروكة ، وصارت مجامع أهلها مكان الوحوش ومراتع البهائم ، فسبحان من لا يعتريه الزوال وكلّ ما سواه يتغيّر من حال إلى حال!
ينسب إليها الإمام العلّامة رضى الدين النيسابوري ، قدوة العلماء وأستاذ البشر. كان أصله من نيسابور ومسكنه بخارى ، وكان على مذهب الإمام أبي حنيفة ، وكان في حلقة درسه أربعمائة فقيه فضلاء ، وانّه سلك طريقا لم يسلكه من كان قبله. وكان علم المناظرة قبله غير مضبوط فأحدث له ضبطا وترتيبا ، وبذلك فاقت تلامذته جميع علماء زمانهم. وله على كلّ من يسمّى باسم الفقيه منّة ، لأن الفقهاء بعده على طريقه وترتيبه.
وينسب إليها الأستاذ قدوة المشايخ أبو القاسم القشيري صاحب الرسالة القشيرية ، كان وحيد دهره علما وورعا. حكي انّه إذا دخل على نظام الملك الحسن بن عليّ بن إسحق ، قام من مكانه وقعد بين يديه ، وإذا دخل عليه إمام الحرمين يقوم له ويقعده بجنبه ، فسئل نظام الملك عن ذلك فقال : لأن أبا القاسم القشيري إذا دخل عليّ يذمّني فيما أعمله. وأمّا إمام الحرمين فإنّه يمدحني فيما أعمله. فيا لله من شيخ إذا دخل على وزير المشرق والمغرب يذمّ أفعاله ولا يبالي بسلطنته! ويا لله من وزير من ذمّه في أفعاله أكرم عليه ممّن مدحه!
وحكي أن الملك لمّا صار لطغرلبك السلجوقي واستوزر أبا نصر الكندري ، كان السلطان معتزليّا والوزير شيعيّا ، أمرا بلعن جميع المذاهب يوم الجمعة على رؤوس المنابر. فعند ذلك فارق الأستاذ أبو القاسم مملكة طغرلبك وقال : لا أقيم في أرض يلعن بها المسلمون! وإمام الحرمين أيضا ذهب إلى أرض الحجاز.
وتوفي أبو القاسم سنة خمس وستّين وأربعمائة.
ينسب إليها من الحكماء عمر الخيّام. كان حكيما عارفا بجميع أنواع الحكمة سيما نوع الرياضيّات. وكان في عهد السلطان ملكشاه السلجوقي سلّم إليه مالا كثيرا ليشتري به آلات الرصد ويتّخذ رصد الكواكب ، فمات السلطان