المنبر واجتمع إليه جميع أهل المدينة من المهاجرين والأنصار (١) حتى برزن العواتق من خدورهن فبين باك وصائح ومسترجع وواجم والنبي صلىاللهعليهوآله يخطب ساعة ويسكت ساعة ، وكان مما ذكر في خطبته أن قال : يا معشر المهاجرين والأنصار ومن حضرني في يومي هذا وساعتي هذه فليبلغ (٢) شاهدكم غائبكم ألا قد خلّفت فيكم كتاب الله فيه النور والهدى ، والبيان ما فرّط فيه من شيء (٣) حجّة الله لي عليكم (٤) وخلّفت فيكم العلم الأكبر ، علم الدين ونور الهدى ، علي بن أبي طالب وهو حبل الله ف (اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً) (٥).
أيها الناس هذا علي بن أبي طالب كنز الله ، من أحبّه وتولاه اليوم وبعد اليوم فقد أوفى بما عاهد عليه الله ، وأدّى ما وجب عليه ، ومن عاداه اليوم (٦) وما بعد اليوم جاء يوم القيامة أعمى أصم لا حجّة له عند الله (٧).
__________________
(١) هكذا ورد صدر الحديث في كتاب «خصائص أمير المؤمنين» :
قلت : جعلت فداك قد اكثر الناس قولهم في أن النبي أمر أبا بكر بالصلاة ، ثم أمر عمر؟! فاطرق عني طويلا ثم قال : ليس كما ذكر الناس ، ولكنك يا عيسى كثير البحث عن الامور لا ترضى إلا بكشفها ، فقلت : بأبي أنت وأمي من اسأل ـ عما انتفع به في ديني ، ويهتدي به نفسي مخافة أن اضل ـ غيرك؟ وهل أجد احدا يكشف لي المشكلات مثلك؟ فقال : ان النبي صلىاللهعليهوآله لما ثقل في مرضه دعا عليا عليهالسلام فوضع رأسه في حجره ، واغمى عليه وحضرت الصلاة ، فأوذن بها ، فخرجت عائشة فقالت : يا عمر اخرج فصل بالناس. فقال لها : أبوك أولى بها مني ، فقالت : صدقت ، ولكنه رجل لين وأكره أن يواثبه القوم ، فصل أنت. فقال لها : يصلي هو وأنا أكفيه ان وثب واثب ، أو تحرك متحرك! مع أن رسول الله صلىاللهعليهوآله مغمى عليه ولا أراه يفيق منها ، والرجل مشغول به لا يقدر أن يفارقه ـ يعني عليا عليهالسلام ـ فبادروا بالصلاة قبل أن يفيق ، فإنه إن أفاق خفت أن يأمر عليا عليهالسلام بالصلاة ، وقد سمعت مناجاته له منذ الليلة يقول لعلي عليهالسلام : الصلاة الصلاة. قال : قال : فخرج أبو بكر يصلي بالناس فظنوا أنه بأمر من رسول الله صلىاللهعليهوآله فلم يكبر حتى أفاق رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : ادعوا لي عمي العباس ، فدعا له ، فحمله وعلي عليهالسلام حتى أخرجاه فصلى بالناس وإنه لقاعد ، ثم حمل فوضع على المنبر ، ولم يجلس عليه بعد ذلك ، فاجتمع لذلك جميع أهل المدينة من المهاجرين والأنصار حتى برزت العواتق من خدرها.
(٢) في خصائص أمير المؤمنين : وساعتي هذه من الانس والجن ، ليبلغ شاهدكم.
(٣) في خصائص أمير المؤمنين : لما فرض الله تعالى من شيء.
(٤) في خصائص أمير المؤمنين : وحجتي وحجة وليي.
(٥) آل عمران : ١٠٣. وفي الخصائص انهى الآية بقوله تعالى : (وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).
(٦) في خصائص أمير المؤمنين : ومن عاداه وأبغضه اليوم.
(٧) في خصائص أمير المؤمنين : أيها الناس لا تأتوني غدا بالدنيا تزفونها زفا ، ويأتي أهل بيتي شعثا غبرا ، ـ