فأمهلتها حتى سكتت فأتيتها وسلمت عليها وقلت لها : يا سيدة النسوان والله قد قطعت نياط (١) قلبي من بكائك ، فقالت : «يا أبا عمر ويحق لي البكاء فلقد أصبت بخير الآباء رسول الله صلىاللهعليهوآله ثم انشأت(٢) تقول :
إذا مات يوما ميّت قل ذكره |
|
وذكر أبي مذ مات والله أكثر» |
قلت : يا سيدتي إنّي سائلك عن مسألة تتلجلج في صدري ، قالت : «سل» ، قلت : هل نص رسول الله صلىاللهعليهوآله قبل وفاته على علي بالإمامة؟ قالت : «وا عجبا أنسيتم يوم غدير خم»؟ قلت: قد كان ذلك ولكن أخبريني بما أسرّ إليك ، قالت : «أشهد الله تعالى لقد سمعته يقول : علي فيكم خير من أخلفه فيكم ، وهو الإمام والخليفة بعدي ، وسبطاي وتسعة من صلب الحسين أئمة أبرار ، لئن اتبعتموهم وجدتموهم هادين مهديين ، ولئن خالفتموهم ليكون الاختلاف فيكم إلى يوم القيامة» ، قلت: يا سيدتي فما باله قعد عن حقه؟ قالت : «يا أبا عمر لقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : مثل الإمام مثل الكعبة إذ تؤتى ولا تأتي ـ أو قالت : مثل علي ـ ثم قالت : أما والله لو تركوا الحق على أهله واتبعوا عترة نبيهم لما اختلف في الله تعالى اثنان ، ولورثها سلف عن سلف وخلف عن خلف حتى يقوم قائمنا التاسع من صلب ولدي الحسين ، ولكن قدموا من أخره الله وأخروا من قدمه الله حتى إذا الحدوا المبعوث واودعوه الجدث (٣) المجدوث اختاروا بشهوتهم وعملوا بآرائهم تبا لهم ألم يسمعوا الله يقول : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) (٤)؟ بل سمعوا ولكنهم كما قال الله : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (٥) هيهات بسطوا في الدنيا آمالهم ونسوا آجالهم ، فتعسا لهم وأضلّ أعمالهم ، اعوذ بك يا رب من الحور بعد الكور» (٦).
الأربعون : الشيخ الفاضل أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي في كتاب الاحتجاج قال : حدثني السيد العالم العابد أبو جعفر مهدي بن أبي حرث الحسيني المرعشي ـ رضي الله عنه ـ قال : أخبرنا الشيخ أبو علي الحسن ابن الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ـ رضي الله عنه ـ قال : أخبرني الشيخ السعيد الوالد أبو جعفر ـ قدس الله روحه ـ قال : أخبرني جماعة عن أبي هارون بن موسى التلعكبري قال : أخبرنا أبو علي محمد بن همام قال : أخبرنا علي السوري قال : أخبرنا أبو
__________________
(١) النياط : عرق متصل بالقلب فاذا قطع مات صاحبه.
(٢) في كفاية الاثر : وا شوقاه الى رسول الله ، ثم أنشأت.
(٣) الجدث : القبر.
(٤) القصص : ٧٨.
(٥) الحج : ٤٦.
(٦) كفاية الاثر : ٢٦ ـ ٢٧ ، البحار : ٣٦ / ٣٥٣ ـ ٣٥٤.