بذلك جبرائيل عن الله عزوجل وفي الموضع سلمات (١) فامر رسول الله صلىاللهعليهوآله أن يقم ما تحتهن وينصب له أحجار كهيئة المنبر ليشرف على الناس ، فتراجع الناس واحتبس أواخرهم في ذلك المكان لا يزالون ، فقام رسول الله صلىاللهعليهوآله فوق تلك الاحجار (٢) فقال : الحمد لله الذي علا في توحده ، ودنا في تفرده ، وجل في سلطانه ، وعظم في أركانه ، وأحاط بكل شيء علما وهو في مكانه وقهر جميع الخلق بقدرته وبرهانه ، مجيدا لم يزل محمودا لا يزال ، بارئ المسموكات (٣) وداحي المدحوات (٤) وجبار السماوات ، قدوس سبوح رب الملائكة والروح ، متفضل على جميع من برأه ، متطوّل على من أدناه ، يلحظ كل عين والعيون لا تراه كريم حليم ذو أناة قد وسع كل شيء رحمته ، ومن عليهم بنعمته ، لا يعجل بانتقامه ولا يبادر إليهم بما استحقوا من عذابه ، قد فهم السرائر وعلم الضمائر ، ولم تخف عليه المكنونات ، ولا اشتبهت عليه الخفيات ، له الاحاطة بكل شيء والغلبة على كل شيء والقوة في كل شيء ، والقدرة على كل شيء ، لا مثله شيء (٥) وهو منشئ الشيء حين لا شيء ، دائم قائم بالقسط ، لا إله إلا هو العزيز الحكيم ، جل عن أن تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ، لا يلحق أحد وصفه من معاينة ، ولا يجد أحد كيف هو من سر وعلانية إلا بما دل عزوجل على نفسه.
وأشهد بأنه الله الذي ملأ الدهر قدسه ، والذي يغشي الأبد نوره ، والذي ينفذ أمره بلا مشاورة مشير ولا معه شريك في تقدير ، ولا تفاوت في تدبير ، صور ما أبدع على غير مثال ، وخلق ما خلق بلا معونة من أحد ولا تكلّف ولا احتيال ، أنشأها فكانت وبرأها فباتت ، فهو الله الذي لا إله إلا هو المتقن الذي أحسن الصنيعة ، العدل الذي لا يجور ، والأكرم الذي ترجع إليه الامور.
وأشهد أنه الذي تواضع كل شيء لقدرته ، وخضع كل شيء لهيبته ، مالك الأملاك ، ومفلك الافلاك ، ومسخر الشمس والقمر ، كل يجري لأجل مسمى ، يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل يطلبه حثيثا ، قاصم كل جبار عنيد ، ومهلك كل شيطان مريد ، لم يكن معه ضد ولا ند ، أحد صمد لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ، إله واحد ورب ماجد ، يشاء فيمضي ويريد فيقضي ، ويعلم فيحصي ويميت فيحيي ، ويفقر ويغني ، ويضحك ويبكي ، ويمنع ويؤتي ، له
__________________
(١) سلم الواحدة «سلمة» : جنس شجر شائك من فصيلة القطانيات ، ينمو في البلدان الحارة.
(٢) في الاحتجاج : ثم حمد الله واثنى عليه فقال :
(٣) سمك الشيء : رفعه. يقال : «سمك الله السماء» اي رفعها.
(٤) دحى الشيء : بسطه.
(٥) في الاحتجاج : ليس مثله شيء.