في سورة الكهف : فلعلّك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا. وقد جاء في الأخبار أنه لمّا نزل القرآن على رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : إني أخشى أن يكذّبني الناس ويثلغوا رأسي ـ أي يخدشوه ـ فيتركوه كالخبزة. فأزال الله تعالى عنه الخوف بهذه الآية ... أما الفاء فقد دخلت على جملة : فلا يكن ، لتعطف الجملة على الجملة السابقة بتقدير : كتاب أنزلناه إليك فلا يكن في صدرك حرج بعد إنزاله. وقيل إنها وقعت في أول جواب بتقدير : إذا أنزل إليك الكتاب لتنذر به فلا يكن في صدرك حرج ، والأوّل أصوب (لِتُنْذِرَ بِهِ) أي بالكتاب الذي هو القرآن الكريم والإنذار هو التخويف بالوعيد لمن يخالف أوامر الله ونواهيه ، وذلك بمعنى : كتاب أنزل إليك لتنذر به (وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) أي موعظة لهم ، وقد خصّهم سبحانه بالذكر لأنهم هم المنتفعون به دون غيرهم.
والحاصل أنه سبحانه قال لنبيّه : كن طيّب النفس منشرح الصدر حال التبليغ ليتذكّر من تنفعه الذكرى من المؤمنين المصدّقين.
٣ ـ (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ...) الخطاب لسائر المكلّفين ، فقل يا محمد لهم : اتّبعوا : أي تصرّفوا بما في المنزل إليكم من الله. والاتّباع هو أن يتصرّف التابع بتصرّف المتبوع كالمأموم والإمام يفعل ما يفعل. والاتّباع فيما أنزل الله تعالى يدخل فيه الواجب والنّدب والمباح على أن يعتقد المرء في الحرام وجوب اجتنابه. فيا أيها المكلفون كونوا متّبعين لما في القرآن من أوامر ونواه وأطيعوا ما فيه ولا تتخذوا من دونه أولياء أي لا تقلّدوا أولياء تتولّونهم وتطيعونهم في معصية الله ، فإن من لا يتّبع الله وكتابه يكون متّبعا للشيطان أو للأوثان (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) أي قليلا تذكّركم وكونكم متّعظين بما فيه. ومعناه هنا الأمر ، يعني : تذكّروا كثيرا كلّ ما أوجبه الله تعالى عليكم وما يلزم لكم من أمور دينكم ومعاشكم ومعادكم. ويقال تذكّر الإنسان إذا اتّعظ وتفقّه وتعلّم شيئا بعد شيء وانتفع بالذكرى.