مكانه رجلا. فلما جاء الخبر عن مصاب أصحاب بدر من قريش كبته الله وأخزاه ، ووجدنا في أنفسنا قوة وعزّا ، وكنت رجلا ضعيفا أنحت القداح في حجرة زمزم. فو الله إني لجالس في عملي وعندي أم الفضل وقد أفرحنا ما حصل ، إذ أقبل الفاسق أبو لهب يجرّ رجليه حتى جلس على طنب الحجرة فصار ظهره إلى ظهري ، وسريعا ما قال الناس : هذا أبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب وقد قدم. فقال أبو لهب : هلمّ إليّ يا ابن أخي فعندك الخبر. فجلس إليه والناس قيام ، فقال : أخبرني كيف كان أمر الناس؟ قال : لا شيء والله ، إن كان إلّا أن لقيناهم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا ويأسروننا كيف شاؤوا. وأيم الله مع ذلك ما لمت الناس ، لقينا رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض ما تليق شيئا ولا يقوم لها شيء. قال أبو رافع : فرفعت طرف الحجرة بيدي ثم قلت : تلك الملائكة ، فرفع أبو لهب يده وضرب وجهي ضربة شديدة ثم احتملني وضرب بي الأرض ثم برك عليّ يضربني. فقامت أمّ الفضل إلى عمود من عمد الحجرة فأخذته فضربته به ضربة شجّت رأسه شجّة منكرة وقالت : تستضعفه إن غاب عنه سيّده؟ فقام مولّيا ذليلا ، فو الله ما عاش إلّا سبع ليال حتى رماه الله بالعدسة فقتلته ، وتركه ابناه ليلتين أو ثلاثا لم يدفناه فأنتن في بيته ، فقال لهما رجل من قريش : أما تستحيان وقد أنتن أبوكما؟ ألا تغيّبانه؟ فقالا : إنا نخشى هذه القرحة. ثم غسّلاه قذفا بالماء ولم يمسسه أحد واحتملاه فدفناه في جانب مكة وقذفوا عليه الحجارة قذفا.
وفي تلك الغزوة أسر العباس ، أسره كعب بن عمرو أخو بني سلمة ، وهو رجل مجموع والعباس رجل جسيم ، فقال رسول الله (ص): كيف أسرت العباس يا أبا اليسر؟ فقال : يا رسول الله لقد أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ذلك ولا بعده ، فقال (ص) : لقد أعانك عليه ملك كريم .. والحمد لله الذي نصر عبده وأنجز وعده.
* * *